(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِنْ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٩)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قالوا لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوآله من (الطائف) ، أمر بالجهاد لغزوة الروم ، وذلك في زمان إدراك الثمار ، فأحبّوا المقام في المسكن والمال ، وشقّ عليهم الخروج إلى القتال ، وكان صلىاللهعليهوآله قلّما خرج في غزوة إلّاكنّى عنها وورّى بغيرها إلّا (غزوة تبوك) ، لبعد شقتها ، وكثرة العدو ، ليتأهب الناس ، فأخبرهم بالذي يريد ، فلما علم الله سبحانه تثاقل الناس ، أنزل الآية.
التّفسير
كما أشرنا آنفاً في شأن نزول الآيتين ، فإنّهما نزلتا في غزوة «تبوك».
وتبوك منطقة بين المدينة والشام ، وتعدّ الآن من حدود الحجاز ، وكانت آنئذ على مقربة من أرض الروم الشرقية المتسلطة على الشامات (١).
وقد حدثت هذه الواقعة في السنة التاسعة للهجرة ، أي بعد سنة من فتح مكة تقريباً.
ففي الآية الاولى ـ من الآيتين محل البحث ـ يدعو القرآن المسلمين إلى الجهاد بلسان الترغيب تارة وبالعتاب تارة اخرى وبالتهديد ثالثة فهو يدعوهم ويهيؤهم إلى الجهاد ، ويدخل إليهم من كل باب. إذ تقول الآية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِى سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ).
ثمّ تقول الآية مخاطبة إيّاهم بلهجة الملامة : (أَرَضِيتُم بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا مِنَ الْأَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا فِى الْأَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ).
فكيف يتسنى للإنسان العاقل أن يساوم مساومة الخُسران ، وكيف يعوّض متاعاً غالياً
__________________
(١) الفاصلة بين تبوك والمدينة ٦١٠ كم والفاصلة بينها وبين الشام ٦٩٢ كم.