لا يزول بمتاع زائل لا يعد شيئاً؟!
ثم تتجاوز الآية مرحلة الملامة والعتاب إلى لهجة أشدّ وأسلوب تهديدي جديد ، فتقول : (إِلَّا تَنفِرُوا يُعِذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
فإذا كنتم تتصورون أنّكم إذا توليتم وأعرضتم عن الذهاب إلى سوح الجهاد ، فإنّ عجلة الإسلام ستتوقف وينطفىء نور الإسلام ، فأنتم في غاية الخطأ والله غني عنكم (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) قوماً أفضل منكم من كل جهة ، لا من حيث الشخصية فحسب ، بل من حيث الإيمان والإرادة والشهامة والإستجابة والطاعة (وَلَا تَضُرُّوهُ شَيًا).
وهذه حقيقة وليست ضرباً من الخيال أو أمنية بعيدة المدى ، فالله عزيز حكيم : (واللهُ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ).
(إِنْ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤٠)
المدد الإلهي للرسول في أشد اللحظات : كان الكلام في الآيات المتقدمة عن موضوع الجهاد ومواجهة العدو ، وكما أشرنا فقد جاء الكلام عن الجهاد مؤكّداً بعدّة طرق ، من ضمنها أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أنّكم إذا تقاعستم من الجهاد ونصرة النبي صلىاللهعليهوآله فستذهب دعوته والإسلام أدراج الرياح. فالآية محل البحث تعقّب على ما سبق لتقول : (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ).
وكان ذلك عندما تآمر مشركو مكة على اغتيال النبي صلىاللهعليهوآله وقتله ، وقد مرّ بيان ذلك في ذيل الآية (٣٠) من سورة الأنفال بالتفصيل.
ولكن النبي صلىاللهعليهوآله اطّلع ـ بأمر الله ـ على هذه المكيدة ، فتهيأ للخروج من (مكة) والهجرة إلى (المدينة).
وقد سعى الأعداء سعياً حثيثاً للعثور على النبي ، إلّاأنّهم عادوا آيسين ، وبعد بضعة أيّام وصل صلىاللهعليهوآله المدينة سالماً ، وبدأت مرحلة جديدة من تأريخ الإسلام هناك.