فالآية آنفة الذكر تشير إلى أشدّ اللحظات حرجاً في هذا السفر التاريخي ، فتقول : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وبالطبع فإنّهم لم يريدوا إخراجه بل أرادوا قتله ، لكن لما كانت نتيجة المؤامرة خروج النبي صلىاللهعليهوآله من مكة فراراً منهم ، فقد نسبت الآية إخراجه إليهم.
ثم تقول : كان ذلك في حال هو (ثَانِىَ اثْنَيْنِ).
وهذا التعبير إشارة إلى أنّه لم يكن معه في هذا السفر الشاق إلّارجل واحد ، وهو أبو بكر (إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ). أي غار ثور ، فاضطرب أبو بكر وحزن فأخذ النبي صلىاللهعليهوآله يسرّي عنه ، وكما تقول الآية : (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَاتَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا).
ولعل هذه الجنود الغيبية هي الملائكة التي حفظت النبي صلىاللهعليهوآله في سفره الشاق المخيف ، أو الملائكة التي نصرته في معركتي بدر وحنين وأضرابهما.
(وَجَعَلَ كَلِمَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِىَ الْعُلْيَا).
وهي إشارة إلى أنّ مؤامراتهم قد باءت بالخيبة والفشل وحبطت أعمالهم وآراؤهم ، وشعّ نور الله في كل مكان ، وكان الإنتصار في كل موطن حليف محمّد صلىاللهعليهوآله ، ولم لا يكون الأمر كذلك (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). فبعزته وقدرته نصر نبيه ، وبحكمته أرشده سبل الخير والتوفيق والنجاح.
(انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (٤٢)
الكسالى الطامعون : قلنا : إنّ معركة تبوك كانت لها حالة استثنائية ، وكانت مقترنة بمقدمات معقّدة وغامضة تماماً ، ومن هنا فإن عدداً من ضعاف الإيمان أو المنافقين أخذ «يتعلّل» في الإعتذار عن المساهمة في هذه المعركة. وقد وردت في الآيات المتقدمات ملامة للمؤمنين من قبل الله سبحانه ، وتعقيباً على هذا الكلام يدعو المؤمنين جميعاً مرّة اخرى ـ دعوة عامة ـ نحو الجهاد ويعنف المتسامحين فيقول سبحانه : (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً).