ثم يتوجه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله ـ باعتباره قائد المسلمين ـ بأن يواجه المنافقين : (قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ) لأنّا على علم بأهدافكم الشيطانية وما تضمرون وما تعلنون ، إذ :
(قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ). إلّاأنّه في الوقت نفسه سيبقى باب التوبة والرجوع إلى الصواب مفتوحاً أمامكم (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).
ثم قالت الآية : إنّ كل أعمالكم ونيّاتكم ستثبت اليوم في كتبكم (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
وفي الآية التالية إشارة اخرى إلى أيمان المنافقين الكاذبين ، وتنبيه للمسلمين على أنّ هؤلاء سيتوسلون باليمين الكاذبة لتغفروا لهم خطيئاتهم وتصفحوا عنهم (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ).
إنّ هؤلاء يطرقون كل باب ليردوا منه ، فتارةً يريدون إثبات براءتهم وعدم تقصيرهم بالإعتذار ، وتارةً يعترفون بالتقصير ثمّ يطلبون العفو عن ذلك التقصير ، إذ ربّما استطاعوا عن إحدى هذه الطرق النفوذ إلى قلوبكم ، لكن لا تتأثروا بأي اسلوب من هذه الأساليب ، بل إذا جاؤوكم ليعتذروا إليكم (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ).
ولتأكيد المطلب وتوضيحه وبيان دليله عقّبت الآية بأنّ السبب في الاعراض عن هؤلاء (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) ، ولأنّهم كذلك فإنّ مصيرهم (وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ). إنّ كل العواقب السيئة التي سيلقونها إنّما يرونها (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
في الآية الأخيرة التي نبحثها هنا إشارة إلى يمين اخرى من أيمان هؤلاء ، الهدف منها جلب رضى المسلمين : (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ).
الملفت للنظر هنا أنّ الله تعالى لم يقل : لا ترضوا عنهم ، بل عبّر سبحانه بتعبير تُشم منه رائحة التهديد ، إذ يقول عزوجل : (فَإِن تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَايَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ).
لا شك أنّ هؤلاء من الناحية الدينية والأخلاقية لا يعيرون اهتماماً لرضى المسلمين ، بل إنّ الهدف من عملهم هذا هو رفع النظرة السلبية والغضب عليهم من أفكار وقلوب المسلمين ، ليكونوا في المستقبل في مأمن من ردود الفعل ضدهم إذا بدرت منهم أعمال منافية.