(الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَنْ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩٩)
في هذه الآيات الثلاث ـ استمراراً للبحث المتقدم حول منافقي المدينة ـ حديث وبحث حول وضع منافقي الأعراب ـ وهم سكان البوادي ـ وعلاماتهم وأفكارهم ، وكذلك قد تحدثت حول المؤمنين الخلص منهم.
وربّما كان السبب في تحذير المسلمين من هؤلاء ، هو أن لا يتصور المسلمون أنّ المنافقين هم ـ فقط ـ هؤلاء المتواجدون في المدينة ، بل إنّ المنافقين من الأعراب أشدّ وأقسى ، فالآية الاولى تقول : إنّ الأعراب ، بحكم بعدهم عن التعليم والتربية ، وعدم سماعهم الآيات الربانية وكلام النبي صلىاللهعليهوآله ، أشدّ كفراً ونفاقاً من مشابهيهم في المدينة : (الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) ولهذا البعد والجهل فمن الطبيعي ، بل الأولى أن يجهلوا الحدود والأحكام الإلهية التي نزلت على النبي صلىاللهعليهوآله : (وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ).
كلمة «الأعراب» من الكلمات التي تعطي معنى الجمع ، وهذه الكلمة تطلق على سكان البادية فقط ، ومختصة بهم ، وإذا أرادوا اطلاقهم على شخص واحد فإنّهم يستعملون نفس هذه الكلمة ويلحقون بها ياء النسب ، فيقولون : أعرابي.
«أجدر» : فهي مأخوذة من الجدار ، ومن ثم اطلقت على كل شيء مرتفع ومناسب ، ولهذا فإنّ «أجدر» تستعمل ـ عادةً ـ بمعنى الأنسب والأليق.
وتقول الآية أخيراً : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). أي : إنّه تعالى عندما يحكم على الأعراب بمثل هذا الحكم ، فلأنّه يناسب الوضع الخاص لهم ، لأنّ محيطهم يتصف بمثل هذه الصفات.
لكن ومن أجل أن لا يُتوهم بأنّ كل الأعراب أو سكان البوادي يتصفون بهذه الصفات ، فقد أشارت الآية التالية إلى مجموعتين من الأعراب. ففي البداية تتحدث عن أنّ قسماً من هؤلاء الأعراب ـ لنفاقهم أو ضعف إيمانهم ـ عندما ينفقون شيئاً في سبيل الله ، فإنّهم