يعتبرون ذلك ضرراً وخسارة لحقت بهم ، لا أنّه توفيق ونصر وتجارة رابحة : (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا) (١).
ومن الصفات الاخرى لهؤلاء أنّهم دائماً ينتظرون أن تحيط بكم المصائب والنوائب والمشاكل ، ويرميكم الدهر بسهمه : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ).
«الدوائر» : جمع دائرة ، ومعناها معروف ، ولكن العرب يقولون للحادثة الصعبة والأليمة التي تحل بالإنسان : دائرة ، وجمعها «دوائر».
في الواقع أنّ هؤلاء أفراد ضيقو النظر ، وبخلاء وحسودون.
ثم تقول الآية ـ بعد ذلك ـ إنّ هؤلاء ينبغي أن لا يتربصوا بكم ، وينتظروا حلول المصائب والدوائر بكم ، لأنّها في النهاية ستحل بهم فقط : (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ).
ثمّ تختم الآية الحديث بقولها : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، فهو تعالى يسمع كلامهم ، ويعلم بنياتهم ومكنون ضمائرهم.
أمّا الآية الأخيرة فقد أشارت إلى الفئة الثانية من الأعراب ، وهم المؤمنون المخلصون ، إذ تقول : (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ). ولهذا السبب فإنّهم لا يعتبرون الإنفاق في سبيل الله خسارة أبداً ، بل وسيلة للتقرب إلى الله ودعاء الرسول صلىاللهعليهوآله لإيمانهم بالجزاء الحسن والعطاء الجزيل الذي ينتظر المنفقين في سبيل الله : (وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ).
هنا يؤيّد الله تعالى ويصدّق هذا النوع من التفكير ، ويؤكّد على أنّ هذا الإنفاق يقرب هؤلاء من الله قطعاً : (أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ) ولهذا (سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِى رَحْمَتِهِ) وإذا ما صدرت من هؤلاء هفوات وعثرات ، فإنّ الله سيغفرها لهم لإيمانهم وأعمالهم الحسنة ، ف (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٠٠)
__________________
(١) «مغرم» : مأخوذة من مادة (غرم) على وزن (جرم) ، وهي في الأصل بمعنى ملازمة الشيء ، ولهذه المناسبة قيل للدائن والمدين اللذين لا يدع كل منهما صاحبه : غريم ، وأيضاً قيل : غرامة ، لنفس هذه المناسبة لأنّها تلازم الإنسان ولا تنقطع عنه إلّابأدائها.