ثمّ تضيف الآية بأنّ في المدينة نفسها قسماً من أهلها قد وصلوا في النفاق إلى أقصى درجاته ، وثبتوا عليه ، وأصبحوا ذوي خبرة في النفاق : (وَمِن أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النّفَاقِ).
«مردوا» : مأخوذة من مادة «مرد» بمعنى الطغيان والعصيان والتمرد المطلق ، وهي في الأصل بمعنى التعري والتجرد.
إنّ هؤلاء المنافقين قد انسلخوا من الحق والحقيقة ، وتسلطوا على أعمال النفاق إلى درجة أنّهم كانوا يستطيعون أن يظهروا في مصاف المؤمنين الحقيقين ، دون أن ينتبه أحد إلى حقيقتهم ومراوغتهم.
إنّ هذا التفاوت في التعبير عن المنافقين الداخليين والخارجيين في الآية يلاحظ جلياً ، وربّما كان ذلك إشارة إلى أنّ المنافقين الداخليين أكثر تسلطاً على النفاق ، وبالتالي فهم أشد خطراً ، فعلى المسلمين أن يراقبوا هؤلاء بدقة ، لكن يجب أن لا يغفلوا عن المنافقين الخارجين ، بل يراقبونهم أيضاً. لذلك تقول الآية مباشرة بعد ذلك : (لَاتَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) ومن الطبيعي أنّ هذا إشارة إلى العلم الطبيعي للنبي صلىاللهعليهوآله ولكن هذا لا ينافي أن يقف كاملاً على أسرارهم عن طريق الوحي والتعليم الإلهي.
وفي النهاية تبين الآية صورة العذاب الذي سيصب هؤلاء : (سَنُعَذّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ).
إنّ العذاب العظيم إشارة إلى عذاب يوم القيامة ، وفي نوعية العذابين الآخرين وماهيتهما الذي يرجّحه النظر أنّ واحداً من هذين العذابين هو العقاب الاجتماعي لهؤلاء ، والمتمثل في فضيحتهم وهتك أسرارهم ، والكشف عمّا في ضمائرهم من خبيث النوايا.
والعذاب الثّاني هو ما أشارت إليه الآية (٥٠) من سورة الأنفال ، حيث تقول هناك : (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ).
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٠٢)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قال أبو حمزة الثمالي : بلغنا أنّهم ثلاثة نفراً من الأنصار : أبو لبابة بن