وَتُزَكّيهِم بِهَا). فهي تطهرهم من الرذائل الأخلاقية ، ومن حبّ الدنيا وعبادتها ، ومن البخل وغيره من مساوىء الأخلاق ، وتزرع مكانها خلال الحب والسخاء ورعاية حقوق الآخرين في نفوسهم. وفوق كل ذلك فإنّ المفاسد الاجتماعية والانحطاط الخلقي والاجتماعي المتولد من الفقر والتفاوت الطبقي والذي يؤدّى إلى وجود طبقة محرومة ، كل هذه الامور ستقتلع بتطبيق هذه الفريضة الإلهية وأدائها.
ثم تضيف الآية في خطابها للنبي صلىاللهعليهوآله بأنّك حينما تأخذ الزكاة منهم فادع لهم (وَصَلّ عَلَيْهِمْ). إنّ هذا يدل على وجوب شكر الناس وتقديرهم ، حتى إذا كان مايؤدونه واجباً عليهم وحكماً شرعياً يقومون به ، وترغيبهم بكل الطرق ، وخاصة المعنوية والنفسية.
في المجمع روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : «اللهمّ صلّ عليهم».
ثم تقول الآية : (إِنَّ صَلَوتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) لأنّ من بركات هذا الدعاء أن تنزل الرحمة الإلهية عليهم ، وتغمر قلوبهم ونفوسهم إلى درجة أنّهم كانوا يحسون بها.
وفي نهاية الآية نقرأ : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وهذا الختام هو المناسب لما سبق من بحث في الآية ، إذ إنّ الله سبحانه يسمع دعاء النبي صلىاللهعليهوآله ، ومطلع على نيات المؤدين للزكاة.
ولما كان بعض المذنبين ـ كالمتخلفين عن غزوة تبوك ـ يصرّون على النبي صلىاللهعليهوآله في قبول توبتهم ، أشارت الآية الثانية من الآيات التي بين يدينا إلى أنّ قبول التوبة ليس مرتبطاً بالنبي صلىاللهعليهوآله ، بل بالله الغفور الرحيم ، لذا قالت : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ). ولا ينحصر الأمر بتوقف قبول التوبة على قبول الله لها ، بل إنّه تعالى هو الذي يأخذ الزكاة والصدقات الاخرى التي يعطيها العباد تقرباً إليه ، أو تكفيراً لذنوبهم : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ).
إنّ هذا التعبير من ألطف التعبيرات التي تجسّد عظمة هذا الحكم الإسلامي ـ أي الزكاة ـ فبالرغم من ترغيب كل المسلمين ودعوتهم إلى القيام بهذه الوظيفة الإلهية الكبيرة ، فإنّها تحذرهم بشدّة وتأمرهم بأن يراعوا الآداب الإسلامية ويتقيّدوا باحترام من يؤدّونها إليه ، لأنّ من يأخذها هو الله عزوجل.
في المجمع عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «إنّ الصدقة تقع في يد الله قبل أن تصل إلى يد السائل».
وفي تفسير العياشي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «ما من شيء إلّاوكّل به ملك إلّاالصدقة فإنّها تقع في يد الله».