ثم قالت الآية في النهاية من باب التأكيد : (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وتؤكّد الآية التي تليها البحوث التي مرّت بصورة جديدة ، وتأمر النبي صلىاللهعليهوآله أن يبلغ الناس : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ). فهي تشير إلى أن لا يتصور أحد أنّه إذا عمل عملاً ، سواء في خلوته أو بين الناس فإنّه سيخفى على علم الله سبحانه ، بل إنّ الرسول صلىاللهعليهوآله والمؤمنين يعلمون به إضافةً إلى علم الله عزوجل.
إنّ هذا الإطلاع هو مقدمة للثواب أو العقاب الذي ينتظره في العالم الآخر ، لذا فإنَّ الآية الكريمة تعقب على ذلك مباشرة وتقول : (وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
مسألة عرض الأعمال : إنّ بين أتباع مذهب أهل البيت عليهمالسلام ونتيجة للأخبار الكثيرة الواردة عن الأئمّة عليهمالسلام عقيدة معروفة ومشهورة ، وهي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام يطلعون على أعمال كل الامّة ، أي أنّ الله تعالى يعرض أعمالها بطرق خاصه عليهم.
إنّ مسألة عرض الأعمال لها أثر عظيم على المعتقدين بها ، فإنّي إذا علمت أنّ الله الموجود في كل مكان معي ، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ نبيي وأئمتي عليهمالسلام يطلعون على كل أعمالي ، الحسنة والسيئة في كل يوم ، أو في كل اسبوع ، فلا شك أنّي سأكون أكثر مراقبة ورعاية لما يبدر منّي من أعمال ، وأحاول تجنب السيئة منها ما أمكن.
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٠٦)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : نزلت الآية في (ثلاثة من المتخلفين عن تبوك وهم :) هلال بن امية الواقفي ، ومرارة بن ربيع ، وكعب بن مالك ، وهم من الأوس والخزرج وكان كعب بن مالك رجل صدق غير مطعون عليه ، وإنّما تخلف توانياً عن الإستعداد ، حتى فاته المسير وانصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : والله ما لي من عذر ولم يعتذر إليه بالكذب فقال صلىاللهعليهوآله : «صدقت ، فمر حتى يقضي الله فيك». وجاء الآخران فقالا مثل ذلك وصدقا. فنهى رسول الله صلىاللهعليهوآله عن مكالمتهم وأمر نساءهم باعتزالهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فأقاموا على ذلك خمسين ليلة وبني كعب خيمة على سلع يكون فيها وحده. ثم نزلت التوبة عليهم بعد الخمسين في الليل وهو قوله تعالى (وَعَلَى الثَّلثَةِ الَّذِينَ خُلّفُوا) الآية (١١٨) من هذه السورة.