فصلّينا لكم فيه». فلما انصرف رسول الله من تبوك ، نزلت عليه الآية في شأن المسجد. وكشف الستار عن أعمال هؤلاء ، فأمر النبي صلىاللهعليهوآله بحرق المسجد المذكور ، وبهدم بقاياه ، وأن يُجعل مكانه محلاً لرمي القاذورات والأوساخ.
التّفسير
معبد وثني في صورة مسجد : أشارت الآيات السابقة إلى وضع مجاميع مختلفة من المخالفين ، وتُعرّف الآيات التي نبحثها مجموعة اخرى منهم ، المجموعة التي دخلت حلبة الصراع بخطة دقيقة وذكية ، إلّاأنّ اللطف الإلهي أدرك المسلمين ، وبدد أحلام المنافقين بإبطال مكرهم وإحباط خطتهم. فالآية الاولى تقول : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا) وأخفوا أهدافهم الشريرة تحت هذا الإسم المقدس ، ثم لخصت أهدافهم في أربعة أهداف :
١ ـ إنّ هؤلاء كانوا يقصدون من هذا العمل إلحاق الضرر بالمسلمين ، فكان مسجدهم (ضِرَارًا).
٢ ـ تقوية اسس الكفر ، ومحاولة إرجاع الناس إلى الحالة التي كانوا يعيشونها قبل الإسلام : (وَكُفْرًا).
٣ ـ إيجاد الفرقة بين المسلمين ، لأنّ اجتماع فئة من المسلمين في هذا المسجد سيقلل من عظمة التجمع في مسجد قبا الذي كان قريباً منه ، أو مسجد النبي صلىاللهعليهوآله الذي كان يبعد عنه (وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ).
ويظهر من هذه الجملة ـ وكذلك فهم بعض المفسرين ـ أنّ المسافة بين المساجد يجب أن لا تكون قليلة بحيث يؤثر الاجتماع في مسجد على جماعة المسجد الآخر.
٤ ـ والهدف الأخير لهؤلاء هو تأسيس مقر ومركز لإيواء المخالفين للدين وأصحاب السوابق السيئة ، والإنطلاق من هذا المقر في سبيل تنفيذ خططهم ومؤامراتهم : (وَإِرْصَادًا لّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ).
إلّا أنّ مما يثير العجب أنّ هؤلاء قد أخفوا كل هذه الأغراض الشريرة والأهداف المشؤومة في لباس جميل ومظهر خداع ، وأنّهم لايريدون إلّاالخير : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى).
إلّا أنّ القرآن الكريم يبين أنّ الله تعالى الذي يعلم السرائر وما في مكنون الضمائر ، والذي