تساوى لديه الظاهر والباطن ، والغيب والشهادة يشهد على كذب هؤلاء : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
يؤكّد الله سبحانه وتعالى في الآية التالية تأكيداً شديداً على مسألة حياتية مهمة ، ويأمر نبيّه بصراحة أن (لَاتَقُمْ فِيهِ أَبَدًا) بل (لَّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ) لا المسجد الذي أسس من أوّل يوم على الكفر والنفاق وتقويض أركان الدين.
ثمّ يضيف القرآن الكريم أنّه بالإضافة إلى أنّ هذا المسجد قد أسس على أساس التقوى ، فإنّ (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهّرِينَ).
إنّ للطهارة هنا معنى واسعاً يشمل كل أنواع التطهير ، سواء التطهير الروحي من آثار الشرك والذنوب ، أو التطهير الجسمي من الأوساخ والنجاسات.
وفي الآية الثالثه من الآيات مقارنة بين فريقين وفئتين : المؤمنين الذين بنوا مساجد كمسجد قبا على أساس التقوى ، والمنافقين الذين بنوه على أساس الكفر والنفاق والتفرقة والفساد. فهي تقول أوّلاً : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ).
إنّ التشبيه الوارد أعلاه يعطي صورة في منتهى الوضوح عن عدم ثبات أعمال المنافقين وتزلزلها ، وفي المقابل استحكام ودوام أعمال المؤمنين ونشاطاتهم وبرامجهم.
ومن هنا ، فإنّ المنافقين يظلمون أنفسهم ويظلمون المجتمع أيضاً ولذلك فإنّ الآية اختتمت بقوله : (وَاللهُ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
وفي آخر آية إشارة إلى إصرار المنافقين وعنادهم ، فهي تعبّر عن تعصبهم وإصرارهم في أعمالهم ، وعنادهم في نفاقهم ، وحيرتهم في ظلمة كفرهم ، فهم في شك من بنيانهم الذي بنوه ، أو في النتيجة المرجوة منه ، وسيبقون في هذه الحال حتى موتهم : (لَايَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِى بَنَوْا رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ).
وتقول الآية أخيراً : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
فإنّه تعالى إنّما أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بهدم هذا البناء الذي يحمل صفة الحق ظاهراً ، حتى تتبيّن نيّات السوء التي انطوى عليها هؤلاء ، وتنكشف حقائقهم وبواطنهم وهذا الحكم الإلهي هو عين الحكمة ، وحسب صلاح المجتمع الإسلامي ، وقد صدر على هذا الأساس.