(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٢)
لمّا كان الكلام في الآيات السابقة عن المتخلفين عن الجهاد ، فإنّ هاتين الآيتين قد بيّنتا المقام الرفيع للمجاهدين المؤمنين مع ذكر مثال رائع. لقد عرّف الله سبحانه وتعالى نفسه في هذا المثال بأنّه مشترٍ ، والمؤمنين بأنّهم بائعون ، وقال : (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ).
ولمّا كانت كل معاملة تتكون في الحقيقة من خمسة أركان أساسية ، فقد أشار الله سبحانه إلى كل هذه الأركان ، فجعل نفسه مشترياً ، والمؤمنين بائعين ، وأموالهم وأنفسهم متاعاً وبضاعة ، والجنة ثمناً لهذه المعاملة ، غاية ما في الأمر أنّه بيّن طريقة تسليم البضاعة بتعبير لطيف ، فقال : (يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ).
ثم يشير بعد ذلك إلى سند المعاملة الثابت ، والذي يشكل الركن الخامس فيها ، فقال : (وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِى التَّوْرَيةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْءَانِ).
ثم ، ومن أجل التأكيد على هذه المعاملة ، تضيف الآية : (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ). أي إنّ ثمن هذه المعاملة وإن كان مؤجلاً ، إلّاأنّه مضمون ، ولا وجود لأخطار النسيئة ، لأنّ الله تعالى لقدرته واستغنائه عن الجميع أوفي من الكل بعهده.
والأروع من كل شيء أنّه تعالى قد بارك للطرف المقابل صفقته ، ويتمنى لهم أن تكون صفقة وفيرة الربح ، تماماً كما هو المتعارف بين التجار ، فيقول عزوجل : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).