كما هي طريقة القرآن المجيد ، حيث إنّه يُجمِل الكلام في آية ، ثم يعمد إلى التفصيل في الآية التي تليها ، فقد بيّن سبحانه في الآية الثانية حال البائعين للروح والمال لربّهم عزوجل ، فذكر تسع صفات مميزة لهم : ١ ـ فهم يغسلون قلوبهم وأرواحهم من رين الذنوب بماء التوبة : (التِبُونَ).
٢ ـ وهم يطهرون أنفسهم في نفحات الدعاء والمناجاة مع ربّهم : (الْعبِدُونَ).
٣ ـ وهم يحمدون ويشكرون كل نعم الله المادية والمعنوية : (الْحمِدُونَ).
٤ ـ وهم يتنقلون من مكان عبادة إلى آخر : (السِحُونَ).
وبهذا الترتيب فإنّ برامج تربية النفس عند هؤلاء لا تنحصر في العبادة ، أو في إطار محدود ، بل إنّ كل مكان هو محل عبادة لله وجهاد للنفس وتربية لها بالنسبة لهؤلاء ، وكل مكان يوجد فيه درس وعبرة لهؤلاء فإنّهم سيقصدونه.
٥ ـ وهم يركعون مقابل عظمة الله : (الرَّاكِعُونَ).
٦ ـ ويضعون جباههم على التراب أمام خالقهم ويسجدون له : (السَّاجِدُونَ).
٧ ـ وهم يدعون الناس لعمل الخير : (الْأَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ).
٨ ـ ولم يقتنعوا بهذه الدعوة للخير ، بل حاربوا كل منكر وفساد : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
٩ ـ وبعد أدائهم وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقومون بأداء آخر وأهم واجب اجتماعي ، أي حفظ الحدود الإلهية وإجراء قوانين الله ، وإقامة الحق والعدالة : (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ).
وبعد ذكر هذه الصفات التسع فإنّ الله يرغّب ـ مرّة اخرى ـ أمثال هؤلاء المؤمنين المخلصين الذين هم ثمرة منهج الإيمان والعمل ، ويقول للنبي صلىاللهعليهوآله : (وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
(مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١١٤)