(لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١١٨)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : نزلت الآية الاولى في غزاة تبوك ، وما لحق المسلمين فيها من العسرة ، حتى همّ قوم بالرجوع ، ثم تداركهم لطف الله سبحانه.
وأمّا الآية الثانية : فإنّها نزلت في شأن كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن امية وذلك أنّهم تخلفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يخرجوا معه ، لا عن نفاق ، ولكن عن توان ، ثم ندموا. فلما قدم النبي صلىاللهعليهوآله المدينة ، جاؤوا إليه ، واعتذروا ، فلم يكلّمهم النبي صلىاللهعليهوآله وتقدم إلى المسلمين بأن لا يكلّمهم أحد منهم ، فهجرهم الناس حتى الصبيان. فضاقت عليهم المدينة ، فخرجوا إلى رؤوس الجبال ، وكان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام ، ولا يكلّمونهم ، فقال بعضهم لبعض : قد هجرنا الناس ولا يكلّمنا أحد منهم ، فهلا نتهاجر نحن أيضاً! فتفرقوا ، ولم يتجمع منهم اثنان ، وبقوا على ذلك خمسين يوماً ، يتضرعون إلى الله تعالى ، ويتوبون إليه فقبل الله تعالى توبتهم ، وأنزل فيهم هذه الآية.
التّفسير
تتحدّث هذه الآيات أيضاً عن غزوة تبوك ، فتشير الآية الاولى إلى رحمة الله اللامتناهية التي شملت النبي صلىاللهعليهوآله والمهاجرين والأنصار في اللحظات الحساسة ، وتقول : (لَّقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ).
ثم تُبين أنّ شمول هذه الرحمة الإلهية لهم كان في وقت اشتدت فيه الحوادث والضغوط والاضطرابات إلى الحد الذي أوشكت أن تزل فيه أقدام بعض المسلمين عن جادة الصواب ، (وصمّموا على الرجوع من تبوك) فتقول : (مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ).