والمعاد ، إلّاأنّ هذه الآيات وما بعدها تبحث بصورة مفصلة هذين الأصلين الأساسيين اللذين يمثلان أهم دعامة لدعوة الأنبياء. لقد أشارت الآية الاولى التي نبحثها إلى جوانب من آيات عظمة الله سبحانه في عالم الخلقة فقالت : (هُوَ الَّذِى جَعَلَ الْشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا).
إنّ الشمس التي تعم العالم بنورها لا تعطي النور الحرارة للموجودات فحسب ، بل هي العامل الأساس في نمو النباتات وتربية الحيوانات ، وإذا ما انقطعت هذه الأشعة الحياتية عن كرتنا الأرضية يوماً فإنّ السكون والظلمة والموت سيخيّم على كل شيء في فاصلة زمنية قصيرة.
والقمر بنوره الجميل هو مصباح ليالينا المظلمة ، ولا تقتصر مهمّته على هداية المسافرين ليلاً وإرشادهم إلى مقاصدهم ، بل هو بنوره المناسب يبعث الهدوء والنشاط لكل سكان الأرض.
ثمّ أشارت الآية إلى فائدة اخرى لوجود القمر فقالت : (وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ). بل إنّه تقويم طبيعي دقيق جدّاً يستطيع الجاهل والعالم قراءته ، ويقرأ فيه تأريخ أعماله وامور حياته.
ثمّ تضيف الآية : إنّ هذا الخلق والدوران ليس عملاً غير هادف ، أو هو من باب اللعب ، بل (مَا خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقّ).
وفي النهاية تؤكّد الآية : (يُفَصّلُ الْأَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) إلّاأنّ هؤلاء الغافلين وفاقدي البصيرة بالرغم من أنّهم يمرون كثيراً على هذه الآيات والدلائل ، إلّاأنّهم لا يدركون أدنى شيء منها.
وتتطرق الآية الثانية إلى قسم آخر من العلامات والدلائل السماوية والأرضية الدالّة على وجوده سبحانه ، فتقول : (إِنَّ فِى اخْتِلفِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ لَأَيتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ). أي إنّ الذين يدركون تلك الآيات هم الذين سمت أرواحهم وصفت نتيجة لتقواهم وبعدهم عن المعاصي.
لقد عدت الآيات أعلاه اختلاف الليل والنهار من آيات الله سبحانه ، وذلك لأنّ نور الشمس إذا استمر في إشعاعه على الأرض ، فإنّ من المسلّم أن درجة الحرارة سترتفع إلى الحد الذي تستحيل معه الحياة على وجه الأرض.