عقل لها ولا شعور فإنّ الكلام عن لسان حالها ، وتتحدث عن طريق انعكاس آثار العمل.
ففي ذلك اليوم وذلك المكان وذلك الحال ـ كما يتحدث القرآن في آخر آية من آيات البحث ـ فإنّ كل إنسان سيختبر كل أعماله التي عملها سابقاً ويرى نتيجتها ، بل نفس أعماله ، سواء العابدون والمعبودون المضلون الذين كانوا يدعون الناس إلى عبادتهم ، وسواء المشركون والمؤمنون من أيّ قوم ومن أيّ قبيل : (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ). وفي ذلك اليوم سيرجع الجميع إلى الله مولاهم الحقيقي ، ومحكمة المحشر تبيّن أن الحكم لايتم إلّا بأمره (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلهُمُ الْحَقّ).
وأخيراً فإنّ جميع هذه الأصنام والمعبودات المختلقة التي جعلها هؤلاء شريكة لله كذباً ستفنى وتمحى : (وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) فإنّ القيامة ساحة ظهور كل الأسرار الخفية للعباد ، ولا تبقى أية حقيقة إلّاوتُظهر نفسها.
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (٣٣)
الحديث في هذه الآيات عن علامات ودلائل وجود الله سبحانه وأهليته للعبادة ، وتعقب أبحاث الآيات السابقة حول هذا الموضوع. ففي البداية تقول : قل لهؤلاء المشركين وعبدة الأوثان الحائرين التائهين عن طريق الحق : من يرزقكم من السماء والأرض؟ (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
«الرزق» : يعني العطاء والبذل المستمر ، ولما كان الواهب لكل المواهب هو الله سبحانه ، فإنّ «الرازق» و «الرزّاق» بمعناهما الحقيقي لا يستعملان إلّافيه فقط ، وإذا استعملت هذه الكلمة في حق غيره فلا شك أنّها من باب المجاز.
والأرض وحدها هي التي تغذي جذور النباتات بواسطة موادها الغذائية ، وربّما كان هذا هو السبب في أن تتحدث الآية أوّلاً عن أرزاق السماء ، ثم عن أرزاق الأرض حسب تفاوت درجة الأهمية.