وهل يعتقدون بكذب العقوبات الإلهية؟ (وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلتُ) (١).
ثم تضيف الآية : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ).
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٧) ذريعة اخرى : بعد ما أشرنا في الآيات السابقة إلى مسألة «التوحيد» و «المعاد» تتطرّق هذه الآية إلى واحدة من إعتراضات المشركين المعاندين حول مسألة النبوة : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِءَايَةٌ مّن رَّبّهِ).
ومن الواضح أنّ إحدى وظائف النبي صلىاللهعليهوآله إظهار معاجزه لكي يدل على صدقه وصلته بالوحي الإلهي.
إنّ أعداء الأنبياء لم يكن لديهم حُسن نيّة أو اتّباع للحق عند طلبهم المعجزة ، بل لعنادهم وعدم تسليمهم للأمر الواقع ولذلك كانوا يقترحون بين فترة واخرى معاجز عجيبة وغريبة. وهذه ما يسمّى ب «المعجزات الأخلاقية».
ولكن الأنبياء كانوا يقولون لهم الحقيقة وهي أنّ المعاجز بيد الله ، ورسالتنا هداية الناس.
ولذلك نقرأ في تكملة الآية قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ).
فمعنى الآية : إنّ الكفار نسوا أنّ هدف الأنبياء الإنذار والدعوة إلى الله ، واعتقدوا أنّ وظيفتهم القيام بالمعاجز.
وجه التفاوت بين «الإنذار» و «الهداية» هو إنّ الإنذار للذين أضلّوا الطريق ودعوتهم تكون إلى الصراط المستقيم ، ولكن الهداية والإستقامة للذين آمنوا.
هناك روايات عديدة تؤكّد ما قلناه سابقاً ، ففي تفسير جامع البيان عن ابن عباس قال : لمّا نزلت (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ) وضع صلىاللهعليهوآله يده على صدره فقال : «أنا المنذر ولكل قوم هاد». وأومأ بيده إلى منكب عليّ فقال : «أنت الهادي يا عليّ بك يهتدي المهتدون بعدي».
(اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (٩) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) (١٠)
__________________
(١) «المثلات» : جمع «مثلة» بفتح الميم وضمّ الثاء ومعناها العقوبات النازلة على الامم الماضية.