علم الله المطلق : نقرأ في هذه الآيات قسماً من صفات الخالق ، والتي تكمل بحث التوحيد والمعاد ، فالحديث عن علمه الواسع ومعرفته بكل شيء. تقول الآية أوّلاً : (اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى) في رحمها ، سواء من انثى الإنسان أو الحيوان ، بل بكل خصائصه والطاقة الكامنة فيه ؛ (وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ). أي : تنقص قبل موعدها المقرّر (وَمَا تَزْدَادُ) (١). أي : يعلم بما تزيد عن موعدها المقرّر.
(وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ). ولكي لا يتصور أحد أنّ هذه الزيادة والنقصان بدون دليل ، كما أنّ للجنين ودم الرحم مقدار أيضاً ، فالآية التي بعدها تؤكّد ما قلناه في الآية السابقة حيث تقول : (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) فعلمه بالغيب والشهادة لهذا السبب (الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) فهو يحيط بكل شيء ، ولا يخفى عنه شيء.
ولتكميل هذا البحث وتأكيد علمه المطلق يضيف القرآن الكريم : (سَوَاءٌ مّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلُ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ).
(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (١١)
المعقّبات الغيبية : علمنا في الآيات السابقة أنّ الله بما أنّه عالم الغيب والشهادة فإنّه يعلم أسرار الناس وخفاياهم ، وتضيف هذه الآية أنّه مع حفظ وحراسة الله لعباده فإنّ (لَهُ مُعَقّبَاتٌ مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ).
في تفسير البرهان عن الإمام الباقر عليهالسلام في تفسير هذه الآية يقول : «بأمر الله من أن يقع في ركي ، أو يقع عليه حائط أو يصيبه شيء ، حتى إذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل وملكان بالنهار يتعاقبانه».
ولكي لا يتصور أحد أنّ هذا الحفظ بدون شروط وينغمِس في المزلّات ، أو يرتكب الذنوب الموجبة للعقاب ، ومع كل ذلك ينتظر من الله أو الملائكة أن يحفظوه ، يعلّل القرآن ذلك بقوله : (إِنَّ اللهَ لَايُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
وكي لا يتبادر إلى الأذهان أنّه مع وجود الملائكة الحافظة فأيّ معنى للعذاب أو الجزاء؟
__________________
(١) «تغيض» : أصلها الغيض بمعنى إبتلاع السائل وهبوط مستوى الماء. وتأتي بمعنى النقصان والفساد.