أو بأكثر منها لنجاتهم.
وعلى أثر هذا الشقاء (عدم قبول ما في الأرض مقابل نجاتهم) يشير القرآن الكريم إلى شقاء آخر (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ). يعني أنّ هؤلاء الأفراد يحاسبون حساباً دقيقاً ، وأثناء حسابهم يُوبّخون ويُلامون ومن ثم يستقصى منهم.
وفي نهاية الآية إشارة إلى الجزاء الثّالث أو النتيجة النهائية لجزائهم (وَمَأْوَيهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ).
«المهاد» : جمع «مهد» ، بمعنى التهيؤ ، ويستفاد منها معنى السرير الذي يستخدم لراحة الإنسان ، هذا السرير يهيّأ للاستراحة ، وقد ذكر القرآن الكريم هذه الكلمة للإشارة إلى أنّ هؤلاء الطغاة بدلاً من أن يستريحوا في مهادهم يجب أن يحرقوا بلهيب النار.
(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٤)
الأبواب الثمانية للجنة وصفات اولي الألباب : تتحدّث هذه الآيات عن سيرة اولي الألباب وصفاتهم الحسنة ، وفيها تكميل للبحث السابق. في الآية الاولى من هذه المجموعة إستفهام إنكاري : (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى).
وهذه إشارة لطيفة إلى أنّه من المحال أن لا يعلم أحد بهذه الحقيقة إلّاأن يكون أعمى القلب ، ولذلك يجيء في نهاية الآية قوله تعالى : (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ).
«الألباب» : جمع «لبّ» بمعنى جوهر الشيء ، ويقابل اولي الألباب اولوا الجهل والعمى.
إنّ هذه الآية تحثّ الناس على طلب العلم ومحاربة الجهل ، لأنّها تعدّ الفرد الفاقد للعلم كمن هو أعمى ، ثمّ بيّن سيرة اولي الألباب من خلال ذكر صفاتهم الحميدة ، وأوّل ما أشار القرآن إليه وفاؤهم بالعهد وعدم نقضهم له (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ).