«أذقان» : جمع «ذقن» ومن المعلوم أنّ ذقن الإنسان عند السجود لا يلمس الأرض ، إلّا أنّ تعبير الآية إشارة إلى أنّ هؤلاء يضعون كامل وجههم على الأرض قبال خالقهم حتى أنّ ذقنهم قد يلمس الأرض عند السجود.
الآية التي بعدها توضّح قولهم عندما يسجدون : (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً). هؤلاء يعبرون بهذا الكلام عن عمق إيمانهم واعتقادهم بالله وبصفاته وبوعده.
والكلام على هذا الأساس يجمع اصول الدين في جملة واحدة.
وللتأكيد ـ أكثر ـ على تأثّر هؤلاء بآيات ربّهم ، وعلى سجدة الحب التي يسجدونها تقول الآية التي بعدها : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا). «الخشوع» : هو حالة من التواضع والأدب الجسدي والروحي للإنسان في مقابل شخصية معينة أو حقيقة معينة.
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١١١)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان عن ابن عباس : إنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان ساجداً ذات ليلة بمكة يدعو : يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون : هذا يزعم أنّ له إلهاً واحداً ، وهو يدعو مثنى مثنى.
التّفسير
آخر الذرائع والأعذار : بعد سلسلة من الذرائع التي تشبّث بها المشركون امام دعوة الرسول صلىاللهعليهوآله ، نصل مع الآيات التي بين أيدينا إلى آخر ذريعة لهم ، وهي قولهم : لماذا يذكر رسول الله صلىاللهعليهوآله الخالق بأسماء متعددة بالرغم من أنّه يدّعي التوحيد. القرآن ردّ على هؤلاء بقوله : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّامَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى).
إنّ هؤلاء عميان البصيرة والقلب ، غافلون عن أحداث ووقائع حياتهم اليومية حيث كانوا يذكرون أسماء مختلفة لشخص واحد أو لمكان واحد ، وكل اسم من هذه الأسماء كان
__________________
ـ يسقط من علو. وقوله تعالى : «خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا» تنبيه على اجتماع أمرين : السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح ، والتنبيه أنّ ذلك الخرير كان صوت تسبيحهم بحمد الله لا بشيء آخر ، ودليله قوله تعالى فيما بعد : «وَسَبّحُوا بِحَمْدِ رَبّهِمْ».