الذين كان بهم قوام الأرض قد أغمضوا أعينهم وودّعوا الدنيا! ومع هذا الحال (أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ).
إنّ الآية تريد أن تبيّن أنّ موت الكبار والعظماء والأقوام درس وعبرة للكافرين المغرورين الجاهلين ليعلموا أنّ محاربة الله تعالى لا تنتج سوى الإندحار.
ثم تقرّر الآية حقيقة أنّ وظيفة النبي صلىاللهعليهوآله هي إنذار الناس عن طريق الوحي الإلهي ، فتوجّه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، فتقول : (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْىِ) وإذا لم يؤثّر في قلوبكم القاسية ، فلا عجب من ذلك ، وليس ذلك دليلاً على نقص الوحي الإلهي ، بل السبب هو (وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ).
إنّ الاذن السميعة يلزمها أن تسمع كلام الله ، أمّا الآذان التي أصمّتها حجب الذنوب والغفلة والغرور فلا تسمع الحقّ مطلقاً.
(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (٤٧)
بعد أن كانت الآيات السابقة تعكس حالة غرور وغفلة الأفراد الكافرين ، تقول الآية الاولى أعلاه : إنّ هؤلاء المغرورين لم يذكروا الله يوماً في الرخاء ، ولكن : (وَلَئِنْ مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ).
«نفحة» : تعني الشيء القليل ، أو النسيم اللطيف ، وبالرغم من أنّ هذه الكلمة تستعمل غالباً في نسمات الرحمة والنعمة غالباً ، إلّاأنّها تستعمل في مورد العذاب أيضاً.
ولو انتبهوا حينئذ ، فما الفائدة؟ فإنّ هذه اليقظة الاضطرارية لا تنفعهم.
أمّا الآية الأخيرة التي نبحثها فتشير إلى حساب القيامة الدقيق ، وجزائها العادل ، ليعلم الكافرون والظالمون أنّ العذاب على فرض أنّه لم يعمّهم في هذه الدنيا ، فإنّ عذاب الآخرة حتمي ، وسيحاسبون على جميع أعمالهم بدقة ، فتقول : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيمَةِ).
ونقرأ في الروايات الإسلامية أنّ موازين الحساب في القيامة هم الأنبياء والأئمة