لاحظنا في الآيات السابقة أنّ المشركين والكفار كانوا يستهزئون برسول الله صلىاللهعليهوآله ، فتقول الآية الاولى تسلية للنبي : لست الوحيد الذي يستهزأ به (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ). ولكن في النهاية نزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به (فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).
وتقول الآية التالية : قل لهم إنّ أحداً لا يدافع عنكم أمام عذاب الله في القيامة ، بل وفي هذه الدنيا : (قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمنِ). أي من عذابه ، فلو أنّ الله سبحانه لم يجعل السماء ـ أي الجو المحيط بالأرض سقفاً محفوظاً كما مرّ في الآيات السابقة ـ لكان هذا وحده كافياً أن تتهاوى النيازك وتُمطركم الأجرام السماوية بأحجارها ليل نهار.
مما يستحق الإنتباه أنّ كلمة «الرحمن» قد استعملت مكان «الله» في هذه الآية ، أي انظروا إلى أنفسكم كم إقترفتم من الذنوب حتى أغضبتم الله الذي هو مصدر الرحمة العامة؟!
ثم تضيف : (بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِم مُّعْرِضُونَ) فلا هم يصغون إلى مواعظ الأنبياء ونصحهم ، ولا تهزّ قلوبهم نعم الله وذكره ، ولا يستعملون عقولهم لحظة في هذا السبيل.
ثم يسأل القرآن الكريم : أيّ شيء يعتمد عليه هؤلاء الكافرين الظالمين والمجرمين في مقابل العقوبات الإلهية؟ (أَمْ لَهُمْءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُم مّن دُونِنَا لَايَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ) (١). فهذه الأصنام لا تستطيع أن تنقذ نفسها من العذاب ، ولا تكون مصحوبة بتأييدنا ورحمتنا.
ثم أشارت الآية التالية إلى أحد علل تمرّد وعصيان الكافرين المهمة ، فتقول : (بَلْ مَتَّعْنَا هؤُلَاءِ وَءَابَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ). إلّاأنّ هذا العمر الطويل والنعم الوفيرة بدل أن تحرّك فيهم حس الشكر والحمد ، ويطأطئوا رؤوسهم لعبودية الله ، فإنّها أصبحت سبب غرورهم وطغيانهم.
ولكن ألا يرى هؤلاء أنّ هذا العالم ونعمه زائلة؟ (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا). فإنّ الأقوام والقبائل تأتي الواحدة تلو الاخرى وتذهب ، وحتى العلماء والعظماء
__________________
(١) «يصحبون» : من باب الإفعال ، وفي الأصل يعني أن يجعلوا شيئاً تحت تصرّفهم بعنوان المساعدة والحماية ، وهو هنا يعني أنّ هذه الأصنام لا تملك الدفاع ذاتياً ، ولا وضعت تحت تصرفها مثل هذه القوّة من قبل الله تعالى ، ونحن نعلم أنّ أيّة قوّة دفاعية في عالم الوجود إمّا أن تنبع من ذات الشيء ، أو تمنح له من قبل الله تعالى. أي أنّها إمّا ذاتية أو عرضية.