ونموّ النباتات وإحياء الأرض بعد موتها ، ولكن هذه الأدلّة الواضحة والبراهين الدامغة لا تكفي لتقبّل الحق ، بل لابد من إستعداد ذاتي لذلك. ولهذا يقول القرآن المجيد في نهاية الآية : (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِى مَن يُرِيدُ).
وأشارت آخر الآية هنا إلى ستّ فئات ، إحداها مسلمة مؤمنة ، وخمس منها غير مسلمة : (إِنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصبِئِينَ وَالنَّصرَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلّ شَىْءٍ شَهِيدٌ).
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (١٨)
الوجود كلّه يسجد لله : بما أنّ الحديث في الآيات السابقة كان عن المبدأ والمعاد ، فإنّ الآية ـ موضع البحث ـ بطرحها مسألة التوحيد ، قد أكملت دائرة المبدأ والمعاد ، وتخاطب النبي صلىاللهعليهوآله فتقول : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّموَاتِ وَمَن فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ). ولا يقتصر الحال على هذه المخلوقات ، بل إنّ الكثير من الناس يشاركون عالم الموجود بالسجود لله تعالى سوى بعض الكفار الذين يتحركون من موقع العناد والجحود : (وَكَثِيرٌ مّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ). ثم تضيف : وهؤلاء ليست لهم قيمة عند الله تعالى ، ومن كان كذلك فهو مهان : (وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ). أي إنّ من يهينه الله لا يكرمه أحد ، وليست له سعادة ولا أجر ، حقّاً (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ). فهو يكرم المؤمنين به ، ويذلّ المنكرين له.
إنّ للموجودات مع ملاحظة ما ورد في الآية ـ موضع البحث ـ شكلين من السجود : «سجود تكويني» و «سجود تشريعي».
فالسجود التكويني هو الخضوع والتسليم لإرادة الله ونواميس الخلق والنظام المسيطر على هذا العالم دون قيد أو شرط ، وهو يشمل ذرّات المخلوقات كلها ، حتى أنّه يشمل خلايا أدمغة الفراعنة والمنكرين العنودين وذرّات أجسامهم فالجميع يسجدون لله تعالى تكويناً.
وحسبما يقوله عدد من الباحثين ، فإنّ ذرّات العالم كلها لها نوع من الإدراك والشعور ، ولذا يسبّحون الله ويحمدونه ويسجدون له ويصلّون له بلسانهم الخاص (شرحنا ذلك في