آية النور : تحدث الفلاسفة والمفسرون والعرفاء الإسلاميون كثيراً عن مقاصد الآيات أعلاه ، وهي مرتبطة بما سبقها من الآيات الشريفة التي عرضت لقضية العفة ومكافحة الفحشاء بمختلف السبل.
وبما أنّ ضمانة تنفيذ الأحكام الإلهية ، وخاصة السيطرة على الغرائز الثائرة ، ولا سيما الغريزة الجنسية التي هي أقوى الغرائز ، لا تتمّ دون الإستناد إلى الإيمان ، ومن هنا إمتد البحث إلى الإيمان وأثره القوي ، فقالت الآية أوّلاً : (اللهُ نُورُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
وإذا أردنا تشبيه الذات المقدسة لربّ العالمين (رغم منزلته العظيمة التي لا نظير لها ولا شبيه) فلا نجد خيراً من النور! الله الذي خلق كل شيء في عالم الوجود ونوّره ، فأحيا المخلوقات الحية ببركته ، ورزقها من فضل ، ولو انقطعت رحمته عنها لحظة ، لأصبح الجميع في ظلمات الفناء والعدم.
ومما يلفت النظر أنّ كل مخلوق يرتبط بالله بمقدار معين يكتسب من النور بنفس ذلك المقدار :
القرآن نور لأنّه كلام الله.
والدين الإسلامي نور لأنّه دينه.
الأنبياء أنوار لأنّهم رسله.
والأئمة المعصومون عليهمالسلام أنوار إلهية ، لأنّهم حفظة دينه بعد النبي صلىاللهعليهوآله.
والإيمان نور ، لأنّه رمز الإلتحام به سبحانه وتعالى.
والعلم نور ، لأنّه السبيل إلى معرفته ـ عزوجل ـ.
ولهذا : «الله نور السماوات والأرض».
وإذا استعملنا كلمة النور بمعناها الواسع ، أي الظاهر في ذاته والمظهر لغيره في هذه الحالة يصبح استعمال كلمة النور الذات الله المقدسة حقيقة ولا تشبيه فيها ، لأنّه لا يوجد أظهر من الله تعالى في العالم ، وكل الأشياء تظهر من بركات وجوده.
وبهذا تأخذ أنوار الوجود نورها من نوره وتنتهي إلى نوره الطاهر.
وقد أوضح القرآن بعد بيانه الحقائق السالفة ذلك ، إذْ ذكر مثالاً رائعاً دقيقاً لكيفية النور الإلهي : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَوةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّاشَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ