وبعد أن تناولوا الطعام ، قال صلىاللهعليهوآله : يا بني عبد المطّلب ، إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم بخير الدنيا والآخرة ... وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيّكم يؤازرني على أمري هذا ، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها غير علي ، وكان أصغرهم (سناً) ، فقال : يا نبيّ الله ، أنا أكون وزيرك عليه ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله برقبته ، وقال : «إنّ هذا وصييّ وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا».
(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧)
هذه الآيات ـ محل البحث ـ هي آخر الآيات من سورة الشعراء ، تعود ثانية لتردّ على الإتهام السابق ـ من قبل الأعداء ـ بأنّ القرآن من إلقاء الشياطين ، تردهم ببيان أخاذ بليغ مفحم ، فتقول : (هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ). أي الكاذب المذنب ، حيث يلقون إليهم ما يسمعونه مع اضافة أكاذيب كثيرة عليه (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كذِبُونَ) (١).
وملخص الكلام أنّ ما تلقيه الشياطين له علائم واضحة ، ويمكن معرفته بعلائمه أيضاً. فالشيطان موجود مؤذٍ ومخرب ، وما يلقيه يجري في مسير الفساد والتخريب ، وأتباعه هم الكذابون المجرمون ، وليس شيء من هذه الامور ينطبق على القرآن ، ولا على مبلّغه ، وليس فيها أي شبهٍ بهما.
وفي الآية الرابعة ـ من الآيات محل البحث ـ يردّ القرآن على إتهام آخر كان الكفار يرمون به النبي فيدعونه شاعراً ، كما في الآية (٥) من سورة الأنبياء : (بَلْ هُوَ شَاعِرٌ). وربّما
__________________
(١) «أفّاك» : من «الإفك» والإفك هو الكذب الكبير ، فمعنى الأفلاك من يكذب كثيراً أكاذيب كبيرة ... و «أثيم» : من مادة «إثم» على وزن (إسم) ومعناه في الأصل : العمل الذي يؤخر صاحبه عن الثواب ، ويطلق عادة على الذنب ، فالأثيم هو المذنب.