دعوه بالشاعر المجنون ، كما جاء في الآية (٣٦) من سورة الصافات : (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُواءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ).
فالقرآن يردهم هنا ببيان بليغ منطقي ، بأنّ منهج النبي يختلف عن منهج الشعراء ؛ فالشعراء يتحركون في عالم من الخيال ، وهو يتحرك على أرض الواقع والواقعيات ، لتنظيم العالم الإنساني.
والشعراء يبحثون عن العيش واللذة والغزل (كما هي الحال بالنسبة لشعراء ذلك العصر في الحجاز خاصة حيث يظهر ذلك من أشعارهم بوضوح).
ولذا فإنّ أتباعهم هم الضالون : (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ).
ثم يضيف القرآن على الجملة آنفة الذكر معقّباً : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ).
فهم غارقون في أخيلتهم وتشبيهاتهم الشعرية ، حتى أنّ القوافي تجرهم إلى هذا الإتجاه أو ذاك ، ويهيمون معها في كل واد.
ومتى سخطوا على أحد هجوه هجواً مراً وأنزلوه في شعرهم إلى أسفل السافلين ، وإن كان موجوداً سماوياً.
ثم إنّ الشعراء عادةً هم رجال خطابة وجماهير لا أبطال قتال ، وكذلك أصحاب أقوال لا أعمال ، لذلك فإنّ الآية التالية تضيف فتقول عنهم : (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَايَفْعَلُونَ).
غير أنّ النبي الكريم صلىاللهعليهوآله رجل عمل من قرنه إلى قدمه ، وقد اعترف بعزمه الراسخ واستقامته العجيبة حتى أعداؤه ، فأين الشاعر من النبي صلىاللهعليهوآله.
ولما كان بين الشعراء اناس مخلصون هادفون وأهل أعمال لا أقوال ، ودعاة نحو الحق والصدق «وإن كان مثل هؤلاء الشعراء قليلاً يومئذ». فالقرآن من أجل أن لا يضيع حق هؤلاء الشعراء المؤمنين المخلصين الصادقين ، استثناهم عن بقية الشعراء ، فقال عنهم : (إِلَّا الَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).
هؤلاء المستثنون من الشعراء لم يكن هدفهم الشعر فحسب ، بل يهدفون في شعرهم أهدافاً الهية وإنسانية ، ولا يغرقون في الأشعار فيغفلون عن ذكر الله ، بل كما يقول القرآن : (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا).
وأشعارهم تذكر الناس بالله أيضاً ... وإذا ما ظُلموا كان شعرهم انتصاراً للحق (وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا).