لقد اختلف بنو إسرائيل فيما بينهم في مسائل كثيرة ، فقد اختلفوا في شأن مريم وعيسى عليهماالسلام. وفي شأن النبي الذي بشّرت به «التوراة» من هو؟ كما أنّهم اختلفوا في ما بينهم في كثير من المسائل الدينية والأحكام الشرعية ... فجاء القرآن موضحاً هذه الامور بجلاء.
ولما كانت مواجهة الاختلافات والوقوف بوجهها مدعاة للهدى والرحمة ، فإنّ الآية التالية تشير إلى هذا «الأصل الكلي» وتقول : (وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ).
إنّه هدى ورحمة من حيث حسم الخلافات ومبارزة الخرافات.
وحيث إنّ جماعة من بني إسرائيل وقفت بوجه القرآن والحقائق الواردة فيه ، لأوامر الله ، فإنّ الآية التالية تقول في شأنهم : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).
وهذا الكلام إضافة إلى أنّه يبيّن عظمة القرآن ، وهو تهديد لبني إسرائيل ، فهو في الوقت ذاته تسلية عن قلب النبي وتسرية عنه ، لذا فالآية التالية تقول : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ).
توكّل على الله العزيز الذي لا يغلب ، والعليم بكل شيء .. فتوكّل عليه ولا تقلق من المشركين والمعاندين ، لأنّه يرعاك و (إِنَّكَ عَلَى الْحَقّ الْمُبِينِ).
وهنا ينقدح هذا السؤال ، وهو : إذا كان القرآن حقاً مبيناً فلماذا خالفوه؟ فالآيات التالية تجيب على هذا السؤال ، فتقول : إذا كان اولئك لا يذعنون للحق المبين ، ولا يؤثر في قلوبهم هذا الكلام المتين ، فلا مجال للعجب .. ل (إِنَّكَ لَاتُسْمِعُ الْمَوْتَى).
بل تسمع الأحياء الذين يبحثون عن الحق وأرواحهم توّاقة إليه ، أمّا إحياء الموتى ـ أو موتى الأحياء ـ لتعصبهم وعنادهم واستمرارهم على الذنب ، فلاترهق فكرك ونفسك من أجلهم وحتى لو كانوا احياء فإنّهم صمّ لا يسمعون فلايمكنهم أن يسمعوا صوتك ، وخاصة إذا أداروا إليك ظهورهم وابتعدوا عنك ، (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ).
كما أنّهم لو كانوا مع هذه الحال يبصرون بأعينهم لاهتدوا إلى الصراط المستقيم ، ولو ببعض العلامات ، إلّاأنّهم عمي (وَمَا أَنتَ بِهدِى الْعُمْىِ عَن ضَللَتِهِمْ).
وهكذا فقد أوصدت جميع طرق إدراك الحقيقة بوجوههم ، فقلوبهم ميتة ، وآذانهم صمّ موقرة ، وأعينهم عمي.
فأنت يا رسول الله : (إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بَايَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ) ويشعرون في أنفسهم بالاذعان للحق.