نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
والتعبير «بالحق» إشارة إلى أنّ ما ورد هنا خال من كل خرافة واسطورة ، وبعيد عن الأباطيل والأكاذيب ، فهي إذن تلاوة مقترنة بالحق والواقعية.
والتعبير بـ (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) هو تأكيد على هذه الحقيقة ، وهي أنّ مؤمني ذلك العصر الذين كانوا يرزخون تحت ضغوط المشركين والأعداء ، عليهم أن يدركوا هذه الحقيقة ، وهي أنّ الأعداء مهما تعاظمت قواهم وتزايدوا عَدداً وعُدداً ، وأنّ المؤمنين مهما قلّوا وكانوا تحت ضغط أعدائهم وكانوا ضعافاً بحسب الظاهر ، فلا ينبغي أن يهنوا وينكصوا عن طريق الحق ، فكل شيء عند الله سهل يسير ..
ثم يفصّل القرآن ما أجمله بقوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ).
فقد كان عبداً ضعيفاً ، وعلى أثر جهله وعدم معرفته أضاع شخصيته ووصل إلى مرحلة من الطغيان حتى أنّه ادّعى الربوبية.
والتعبير ب «الأرض» إشارة إلى أرض مصر وما حولها.
إنّ فرعون ـ من أجل تقوية قواعده الإستكبارية ـ قد أقدم على عدّة جرائم كبرى ، فالجريمة الأولى ، أنّه فرّق بين أهل مصر (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا).
فلا يمكن أن تحكم الأقلية ـ التي لا تُعدّ شيئاً ـ على الأكثرية إلّابالخطة المعروفة «فرّق تَسُدْ» فهم مستوحشون من «كلمة التوحيد» و «توحيد الكلمة» ويخافون منهما أبداً ، ويخافون من التفاف الناس بعضهم حول بعض.
إنّ فرعون قسّم أهل مصر إلى طائفتي «الأقباط» و «الأسباط».
فالأقباط هم أهل مصر «الأصليون» الذين كانوا يتمتعون بجميع وسائل الرفاه والراحة ، وكانت في أيديهم القصور ودوائر الدولة والحكومة.
و «الأسباط» هم المهاجرون إلى مصر من بني إسرائيل الذين كانوا على هيئة العبيد والخدم «في قبضة الأقباط» وكانوا محاطين بالفقر والحرمان.
والجريمة الثانية هي استضعافه لجماعة من أهل مصر بشكل دموي سافر كما يعبر عن ذلك القرآن بقوله : (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ يُذَبّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْىِ نِسَاءَهُمْ).