الشرارة الاولى للوحي : نصل الآن ـ إلى المقطع السابع ـ من هذه القصة ..
لا يعلم أحد ـ بدّقة ـ ما جرى على موسى في سنواته العشر مع شعيب ، ولا شك أنّ هذه السنوات العشر كانت من أفضل سنوات العمر لموسى عليهالسلام.
ومن البديهي أنّ موسى عليهالسلام لا يقنع في قضاء جميع عمره برعي الغنم ، وإن كان وجود «شعيب» إلى جانبه يعدّ غنيمة كبرى ، فعليه أن ينهض إلى نصرة قومه ، وأن يخلصهم من قيود الأسر ، وينقذهم من حالة الجهل وعدم المعرفة.
إنّ القرآن يقول في أوّل من آية هذا المقطع : (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِءَانَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا). ثم التفت إلى أهله و (قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنّىءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلّىءَاتِيكُم مّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ). أي (تتدفؤون).
«آنست» : مشتقة من مادة «إيناس» ، ومعناها المشاهدة والرؤية المقترنة بالهدوء والراحة. «جذوة» : هي القطعة من النار.
ويستفاد من قوله (لَّعَلّىءَاتِيكُم مّنْهَا بِخَبَرٍ) أنّه كان أضاع الطريق ، كما يستفاد من جملة (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أنّ الوقت كان ليلاً بارداً.
(فَلَمَّا أَتهَا). أي أتى النار التي آنسها ورآها ، فتعجب موسى من ذلك : (نُوِدىَ مِن شطِىِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنّى أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
«الشاطىء» : معناه الساحل ؛ و «الوادي» : معناه الطريق بين الجبلين ، أو ممر السيول ؛ و «الأيمن» : مشتق من «اليمين» خلاف اليسار ، وهو صفة للوادي ؛ و «البقعة» : القطعة من الأرض المعروفة الأطراف.
ولا شك أنّ الله سبحانه قادر على أن يجعل الأمواج الصوتية في كل شىء ، فأوجد في الوادي شجرة ليكلّم موسى.
ومع الإلتفات إلى أنّ موسى عليهالسلام سيتحمل مسؤولية عظيمة وثقيلة .. فينبغي أن تكون عنده معاجز عظيمة من قبل الله تعالى مناسبة لمقامه النبوي ، وقد أشارت الآيات إلى قسمين مهمين من هذه المعاجز :
الاولى قوله تعالى : (وَأَن أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقّبْ).
في هذه الحال سمع موسى عليهالسلام مرّة اخرى النداء من الشجرة : (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْأَمِنِينَ).