«الجانّ» : في الأصل معناه الموجود غير المرئي ، كما يطلق على الحيات الصغار اسم (جان) أيضاً ؛ لأنّها تعبر بين الأعشاب والأحجار بصورة غير مرئية.
كانت المعجزة الاولى آية «من الرعب» ، ثم أمر أن يظهر المعجزة الثانية وهي آية اخرى «من ا لنور والأمل» ومجموعهما سيكون تركيباً من «الإنذار» و «البشارة» إذ جاءه الأمر : (اسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ). فالبياض الذي يكون على يده للناس لم يكن ناشئاً عن مرض ـ كالبرص ونحوه ـ بل كان نوراً إلهياً جديداً.
لقد هزّت موسى عليهالسلام مشاهدته لهذه الامور الخارقة للعادات في الليل المظلم وفي الصحراء الخالية .. ومن أجل أن يهدأ روع موسى من الرهب ، فقد أمر أن يضع يده على صدره : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ).
وجاء موسى النداء معقّباً : (فَذنِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَبّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَإِيهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فسِقِينَ).
هنا تذكر موسى عليهالسلام حادثة مهمّة وقعت له في حياته بمصر ، وهي قتل القبطي ، وتعبئه القوى الفرعونية لإلقاء القبض عليه وقتله. لذلك فإنّ موسى : (قَالَ رَبّ إِنّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ).
وبعد هذا كلّه فإنّي وحيد ولساني غير فصيح ، (وَأَخِى هرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِىَ رِدْءًا يُصَدّقُنِى إِنّى أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ). «أفصح» : مشتقة من «الفصيح» وهو في الأصل كون الشيء خالصاً ، كما تطلق على الكلام الخالص من كل حشو وزيادة كلمة «الفصيح» أيضاً. و «الردء» : معناه المعين والمساعد.
فأجاب الله دعوته ، وطمأنه بإجابة ما طلبه منه و (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا) فالسلطة والغلبة لكما في جميع المراحل.
وبشرهما بالنصر والفوز ، وأنّه لن يصل إليهما سوء من أولئك ؛ إذ قال سبحانه : (فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بَايَاتِنَا). فبهذه الآيات والمعاجز لن يستطيعوا قتلكما أو الاضرار بكما (أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ).
(فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٣٧)