وفرعون وما جرى بينهما بدقائقه ، هو في نفسه دليل على حقانيّة القرآن ، لأنّك لم تكن «حاضراً» في هذه «الميادين» التي كان يواجه موسى فيها فرعون وقومه ، ولم تشهدها بعينيك .. بل هو من الطاف الله عليك ، إذ أنزل عليك هذه الآيات لهداية الناس .. يقول القرآن : (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِىّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ). أي الأمر بالنبوّة ؛ (وَمَا كُنتَ مِنَ الشهِدِينَ).
ثم يضيف القرآن : (وَلكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ). وتقادم الزمان حتى اندرست آثار الأنبياء وهدايتهم في قلوب الناس ، لذلك أنزلنا عليك القرآن وبيّنا فيه قصص الماضين ليكون نوراً وهدى للناس.
ثم يضيف القرآن الكريم : (وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِى أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ) [/ أي : على أهل مكة] (ءَايَاتِنَا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (١). وأوحينا إليك هذه ا لأخبار الدقيقة التي تتحدث عن آلاف السنين الماضية .. لتكون عبرة للناس وموعظة للمتقين (٢).
وتأكيداً على ما سبق بيانه يضيف القرآن الكريم قائلاً : (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا). أي : نادينا موسى بأمر النبوة ، ولكنّنا أنزلنا إليك بهذه الأخبار رحمة من الله عليك (وَلكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
(وَلَوْ لَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْ لَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْ لَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥٠)
__________________
(١) «ثاوي» : مشتق من (ثوى) ومعناه الإقامة المقرونة بالإستقرار ، ولذا سمّي المستقر والمكان الدائم بالمثوى.
(٢) كان بين ظهور موسى عليهالسلام وظهور النبي (محمّد صلىاللهعليهوآله) حدود ألفي عام.