ذريعة للفرار من الحق : حيث إنّ الآيات ـ آنفة الذكر ـ كانت تتحدث عن إرسال النبي صلىاللهعليهوآله لينذر قومه ، ففي هذه الآيات يبيّن القرآن ما ترتب من لطف الله على وجود النبي في قومه فيقول : إنّنا وقبل أن نرسل إليهم رسولاً ا ذا أردنا إنزال العذاب عليهم بسبب ظلمهم وسيئاتهم قالوا : لماذا لم ترسل لنا رسول يبيّن لنا أحكامك لنؤمن به : (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَءَايَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
هذه الآية تشير إلى موضوع دقيق ، وهو أنّ طريق الحق واضح وبيّن ... وكل «عقل» حاكم ببطلان الشرك وعبادة الأصنام .. وقبح كثير من الأعمال التي تقع نتيجة الشرك وعبادة الأصنام ـ كالمظالم وما شاكلها ـ هي من مستقلات حكم العقل.
ثم تتحدث الآيات عن معاذير أولئك ، وتشير إلى أنّهم ـ بعد إرسال الرسل ـ لم يكفّوا عن الحيل والذرائع الواهية ، واستمروا على طريق الانحراف ، فتقول الآية : (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِىَ مِثْلَ مَا أُوتِىَ مُوسَى).
فلم لم تكن عصا موسى في يده؟ ولم لا تكون يده بيضاء «كيد موسى»؟ ولم لا ينشقّ البحر له كما انشقّ لموسى؟ ولِمَ لَم ... الخ.
فيجيب القرآن على مثل هذه الحجج ، ويقول : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِىَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا). أي : موسى وهارون ، تعاونا فيما بينهما ليضلونا عن الطريق (وَقَالُوا إِنَّا بِكُلّ كفِرُونَ).
إنّ مشركي مكة المعاندين كانوا يصرّون على أنّه لِم لَم يأت النبي صلىاللهعليهوآله بمعاجز كمعاجز موسى ، ومن جهة اخرى لم يكونوا يعترفون بما يجدونه في «التوراة» من علائمه وأوصافه ولا يؤمنون بالقرآن المجيد وآياته العظيمة. لذا يخاطب القرآن النبي محمّداً صلىاللهعليهوآله ليتحدّاهم بأن يأتوا بكتاب أسمى من القرآن : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتبٍ مِّنْ عِندِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ).
ثم يضيف القرآن : (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ). ولكن من أضيع منهم ، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَيهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الظلِمِينَ).
ومن الطريف هنا أنّ روايات عديدة تفسّر الآية بأنّ المراد منها من ترك إمامه وقائده