فكيف يمكن أن يحرمكم الله منهما بعد الإسلام؟
لتكن قلوبكم قوية وآمنوا بما انزل اليكم فإنّ ربّ الكعبة وربّ مكة معكم.
(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (٥٨) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (٦٠)
لا تخدعنكم علائق الدنيا : كان الحديث في الآيات المتقدمة يدور حول ما يدعيه أهل مكة ، وقولهم : إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا بهجوم العرب علينا ، وتتكدر حياتنا ويختل وضعنا المعاشي والاقتصادي ، وفي هذه الآيات مورد البحث ردّان آخران على كلامهم :
الأوّل : يقول .. على فرض أنّكم لم تؤمنوا ، وحييتم في ظل الشرك مرفهين ماديّاً ، ولكن لا تنسوا أن تعتبروا بحياة من قبلكم ، (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا) (١).
أجل ، إنّ الغرور دعاهم إلى أن يبطروا من النعم ، والبطر أساس الظلم ، والظلم يجرّ حياتهم إلى النار ... (فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُم لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً).
بلى ... بقيت بيوتهم خالية خربة متهدمة مظلمة لم يزرها ولم يسكنها أحد إلّالفترة قليلة (وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ).
جملة (كُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) إشارة إلى أنّ مالكها الحقيقي هو الله سبحانه المالك لكل شيء ، وإذا ما أعطى ملكاً «اعتبارياً» لأحد ، فإنّه لا يدوم له طويلاً حتى يرثه الله أيضاً.
والآية الثانية جواب عن سؤال مقدر ، وهو : إذا كان الأمر كذلك ، بأن يهلك الله الطغاة ، فلم لم يهلك المشركين من أهل مكة والحجاز ، الذين بلغوا حدّاً عظيماً من الطغيان ، ولم يكن إثم ولا جهل إلّاوارتكبوه ، ولم لم يعذبهم الله بعذابه الأليم؟
__________________
(١) «بطرت» : مشتقة من «بطر» ، ومعناه الطغيان والغرور على أثر وفرة النعم.