ثم يقدمون له أربع نصائح قيّمة اخرى ذات تأثير مهم على مصير الإنسان ، بحيث تتكامل لديه حلقة خماسية من النصائح مع ما تقدم من قولهم له : (لَاتَفْرَحْ).
فالنصيحة الاولى قولهم له : (وَابْتَغِ فِيمَاءَاتَيكَ اللهُ الدَّارَ الْأَخِرَةَ). وهذا إشارة إلى أنّ المال والثروة ليس أمراً سيئاً كما يتصوره بعض المتوهمين ، المهم أن تعرف فيم يستعمل المال ، وفي أي طريق ينفق.
وكان قارون رجلاً ذا قدرة على الأعمال الاجتماعية الكبيرة بسبب أمواله الطائلة ، ولكن ما الفائدة منها وقد أعماه غروره عن النظر إلى الحقائق.
والنصيحة الثانية قولهم له : (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا). والآية تشير إلى مسألة واقعية ، وهي أنّ لكل فرد منّا نصيباً من الدنيا ، فالأموال التي يصرفها على بدنه وثيابه ليظهر بمظهر لائق هي أموال محدودة ، وما زاد عليها لا تزيد مظهره شيئاً ، وعلى الإنسان أن لا ينسى هذه الحقيقة ... فالإنسان ... كم يستطيع أن يأكل من الطعام؟ وكم يستطيع أن يلبس من الثياب؟ وكم يمكن أن يحوز من المساكن والمراكب؟ وإذا مات وكم يستطيع أن يأخذ معه من الأكفان؟ فالباقي ـ إذن ـ رضي أم أبى هو من نصيب الآخرين.
وما أجمل قول الإمام علي عليهالسلام في نهج البلاغة حيث يقول : (يابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك).
والنصيحة الثالثة هي : (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ).
وبتعبير آخر : كما أنّ الله تفضل عليك وأحسن ، فأحسن أنت إلى الناس.
والنصيحة (الرابعة) والأخيرة أن لا تغرنّك هذه الأموال والإمكانات المادية فتجرّك إلى الفساد : (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَايُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
وهذا أيضاً حقيقة واقعية اخرى ، إنّ كثيراً من الأثرياء وعلى أثر جنون زيادة المال ـ أحياناً ـ أو طلباً للاستعلاء ، يفسدون في المجتمع ، فيجرّون إلى الفقر والحرمان ، ويحتكرون جميع الأشياء في أيديهم.
والآن لنلاحظ ما كان جواب هذا الإنسان الباغي والظالم الإسرائيلي لجماعته الواعظين له.
فأجابهم قارون بتلك الحالة من الغرور والتكبر الناشئة من ثروته الكبيرة ، و (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى).
هذا لا يتعلق بكم ، وليس لكم حق أن ترشدوني إلى كيفية التصرف بمالي.