وهنا يجيب القرآن على قول قارون وأمثاله من المتكبرين الضالين ، فيقول : (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهَ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا).
أتقول : (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى) ونسيت من كان أكثر منك علماً وأشدّ قوّة وأثرى مالاً ، فهل استطاعوا أن يفروا من قبضة العذاب الإلهي؟!
وفي ختام الآية إنذار ذو معنى كبير آخر لقارون ، جاء في غاية الإيجاز : (وَلَا يُسَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ).
بعبارة اخرى : أنّ العلماء من بني إسرائيل نصحوا قارون هذا اليوم وكان لديه مجال والجواب ، لكن بعد إتمام الحجة ونزول العذاب الإلهي ، عندئذ لا مجال للتفكير والجواب ، فإذا حلّ العذاب الإلهي بساحته فهو الهلاك الحتمي.
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لَا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (٨٢)
جنون الثروة : المعروف أنّ أصحاب الثروة يبتلون بأنواع الجنون ... وواحد منها «جنون عرض الثروة وإظهارها» فهؤلاء يشعرون باللذة عندما يعرضون ثروتهم على الآخرين ، فإنّ قارون لم يكن مستثنى من هذا القانون ، بل كان يعدّ مثلاً بارزاً له ، والقرآن يتحدث عنه في جملة موجزة في بعض آياته فيقول : (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ). امام قومه من بني اسرائيل.
وجملة «في زينته» ناطق عن هذه الحقيقة ، وهي أنّه أظهر جميع قدرته وقوّته ليبدي ما لديه من زينة وثروة.