الذين يرغبون في لقاء الله السعي بما اوتوا من قدرة وقابلية من أجل ذلك فإنّ نتيجة كل ذلك السعي والجهاد وتحمل الشدائد ترجع ثمارها للعامل نفسه : (وَمَن جهَدَ فَإِنَّمَا يُجهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
إنّ خطة الامتحان الإلهي هي الجهاد ، جهاد النفس وهواها ، وجهاد الأعداء الألداء ، لحفظ الإيمان والتقوى والطهارة ، ونفع ذلك يعود للإنسان ...
وآخر آية ـ محل البحث ـ توضيح لما تقدم ذكره في الآية السابقة بشكل مبهم تحت عنوان الجهاد ، فهنا يكشف القرآن حقيقة الجهاد فيقول : (وَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيَاتِهِمْ).
إذن أوّل فائدة كبيرة لهذا الجهاد الكبير (وهو الإيمان والعمل الصالح) هي تكفير الذنوب وسترها على الإنسان ، كما أنّ الثواب سيكون من نصيبهم ، كما يقول القرآن في نهاية هذه الآية أيضاً : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ).
«نكفّر» : مشتقة من مادة «تكفير» ومعناها في الأصل التغطية والستر ، والمقصود بتغطية الذنوب هنا عفو الله وصفحه.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٨ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) (٩)
سبب النّزول
وردت روايات مختلفة في شأن نزول الآية الآنفة الذكر ، ومضمون الجميع واحد وهي أنّ بعض الرجال الذين كانوا في مكة وأسلموا (١) ، حين سمعت امهاتهم بذلك صممن على أن لا يتناولن طعاماً ولا يشربن ماءً حتى يرجع أبناؤهن عن الإسلام ، وبالرغم من أنّ أية واحدة من هؤلاء الامهات لم تف بقولها ، ورجعت عن إضرابها عن الطعام ، إلّاأنّ الآية المتقدمة نزلت لتوضح للجميع اسلوب المعاملة بين الأبناء والآباء والامهات ، في مجال الكفر والإيمان.
__________________
(١) ورد في بعض الروايات اسم (سعد بن أبي وقاص) وفي بعضها اسم (عياش بن أبي ربيعة المخزومي).