والمبدأ الثالث هو بمثابة خطّة عمل جامعة ، تحمل بين طياتها جميع الخطط الإجتماعية ، إذ قال : (وَلَا تَعْثَوْا فِى الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
وللفساد مفهوم واسع يشمل كل نقص انحراف ، وتدمير ، وظلم .. الخ .. ويقابله الصلاح والإصلاح ، ومفهومهما يشمل جميع الخطط البنّاءة.
«تعثوا» : من مادة «عثى» ومعناه إحداث الفساد أو الإفساد ، غاية ما في الأمر أنّ هذا التعبير كثيراً ما يستعمل في الموارد التي تكون فيها «مفاسد أخلاقية» ، فعلى هذا يكون ذكر كلمة «مفسدين» بعدها تأكيداً على هذا المفهوم.
إلّا أنّ تلك الجماعة بدلاً من أن تصغي لمواعظه ونصائحه بآذان القلوب ، خالفته ولم تصغ إليه «فكذبوه».
وكان هذا التكذيب سبباً في أن تصيبهم زلزلة شديدة (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِى دَارِهِمْ جثِمِينَ). أي مكبوبين على وجوههم ميتين.
«الجاثم» : مشتق من «جثم» ومعناه الجلوس على الركبة والتوقف في مكان ما ... ولا يبعد أن يكونوا نائمين عند وقوع هذه الزلزلة الشديدة .. فهذا التعبير إشارة إلى أنّهم عند وقوع هذه الحادثة نهضوا وجثوا على الركب ، إلّاأنّ الحادثة لم تمهلهم حيث انهارت الجدران عليهم ونزلت عليهم الصاعقة التي تزامنت معها فماتوا.
أمّا الآية التي بعده فتتحدث عن «عاد» و «ثمود» قومي (هود وصالح) ، دون أن تذكر ما قاله نبيّاهما لهما ، وما ردّ عليهما قومهما المعاندون ، لأنّهما مذكوران في آيات عديدة من القرآن ، وهما أي قوم هود وقوم صالح معروفان ، فلذلك ، تقول الآية : (وَعَادًا وَثَمُودَا).
ثم تضيف الآية : (وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ) المتهدمة والتي هي على طريقكم في منطقة الحجر واليمن.
ثم تشير الآية إلى السبب الأصلي لشقائهم وسوء حظّهم ، إذ تقول : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطنُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ).
وكانت فطرتهم على فطرة الله وتقواه ، ولم يأل الأنبياء جهداً في هدايتهم ، وبذلوا قدراً كافياً من النصح والإرشاد لهم ، لكنّهم حادوا (وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ).
والآية الاخرى تذكر أسماء ثلاثة من الجبابرة الذين كان كل واحد منهم بارزاً للقدرة الشيطانية ، فتقول : (وَقرُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهمنَ).
فقارون كان مظهر الثروة المقرونة بالغرور وعبادة «الذات» والأنانية والغفلة.
وفرعون كان مظهر القدرة الإستكبارية المقرونة بالشيطنة.