وأمّا هامان ، فهو مثل لمن يعين الظالمين المستكبرين.
ثم يضيف القرآن : (وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَى بِالْبَيّنَاتِ) والدلائل (فَاسْتَكْبَرُوا فِى الْأَرْضِ). فاعتمد قارون على ثروته وخزائنه وعلمه ، واعتمد فرعون وهامان على جيشهما وعلى القدرةالعسكرية ، وعلى قوّة إعلامهم وتضليلهم لطبقات الناس المغفّلين الجهلة. لكن .. برغم كل ذلك لم يفلحوا (وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ).
كلمة «سابقين» تعني من يتقدم ويكون أمام الآخرين ، فمفهوم قوله تعالى : (وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ). أي إنّهم لم يستطيعوا أن يهربوا من سلطان الله برغم ما كان عندهم من إمكانات ، بل أهلكهم الله في اللحظة التي أراد ، وأرسلهم إلى ديار الفناء والذلة والخزي.
كما يذكر في الآية التي بعدها : (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ).
فإنّه يذكر في هذه الآية بحسب الترتيب أنواع عذابهم فيقول : (فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا). «الحاصب» : معناه الاعصار الذي يحمل حصى كثيرة معه.
والمقصود ب «منهم» هنا هم «عاد» قوم هود.
(وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) وهذا هو العذاب الذي عذب الله به ثمود «قوم هود» كما عذب آخرين ...
(وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ). وهذا هو عقاب قارون الثري المغرور المستكبر من بني إسرائيل.
(وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا). وهذا الكلام إشارة إلى عقاب فرعون وهامان وجنودهما.
ويبيّن في ختام الآية التأكيد على هذه الحقيقة ، وهي أنّ ما أصابهم هو بسبب أعمالهم ، (وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
أجل ، إنّ عقاب هذه الدنيا والآخرة هو تجسيد أعمالهم ، حيث يغلقون جميع طرق الإصلاح في وجوههم ، فالله أكثر عدلاً وأسمى من أن يظلم الإنسان أدنى ظلم.
(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (٤٣) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ) (٤٤)