دعامة واهية كبيت العنكبوت : بيّنت الآيات السابقة ما آل إليه المشركون والمفسدون الظلمة والأنانيون من مصير وخيم وعاقبة سوداء وعذاب أليم ... وبهذه المناسبة ، ففي الآيات التي بين أيدينا ، يبيّن القرآن الكريم مثالاً بليغاً ومؤثراً يعبدون غير الله ويتخذون من دونه أولياء ، وكلّما أمعنا النظر في هذا المثال وفكرنا فيه مليّاً انقدحت في أذهاننا منه لطائف دقيقة ، يقول تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).
والجدير بالذكر ، أنّ بيت العنكبوت ونسيج خيوطه المضروب به المثل ، هو نفسه من عجائب الخلق ، والتدقيق فيه يعرف الإنسان على عظمة الخالق أكثر.
فلو دققنا النظر في بيوت العنكبوت لرأينا منظراً طريفاً مثل الشمس وأشعتها مستقرةً على قواعد هذا «البناء النسيجي» ، وبالطبع فإنّ هذا البيت مناسب للعنكبوت وكاف ، ولكنه في المجموع لا يمكن تصور بيت أوهن منه ، وهكذا بالنسبة إلى آلهة الضالين ومعبوديهم ، إذ تركوا عبادة الله والتجأوا إلى الأصنام والأحجار والأوثان.
أمّا الآية التالية ففيها تهديد لهؤلاء المشركين الغفلة الجهلة .. إذ تقول : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْءٍ) ولا يخفى على الله شركهم الظاهر ولا شركهم الخفي (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) على الإطلاق.
وإذا أمهلهم ، فليس بسبب العجز والضعف ، أو عدم العلم ، أو أنّ قدرته محدودة ، بل كل ذلك من حكمته التي توجب أن يمنحوا الفرصة الكافية لتتم الحجة البالغة لله عليهم ، فيهتدي من هو جدير بالهدى.
والآية الثالثة ـ من الآيات محل البحث ـ لعلها تشير إلى ما استشكله أعداء الإسلام على النبي صلىاللهعليهوآله في هذه الأمثلة التي ضربها الله ، وكانوا يقولون : الله الذي خلق السماوات والأرض كيف يضرب الأمثال بالعنكبوت والذباب والحشرات وما شاكلها؟
فيردّ القرآن بقوله : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ).
وفي آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ يضيف القرآن الكريم : (خَلَقَ اللهُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقّ إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ). ليس في عمل الله باطل أو عبث ... فإذا التشبيه بالعنكبوت وبيته الخاوي هو أمر محسوب بدقّة ، وإذا ما إختار موجوداً صغيراً للتمثيل به فهو لبيان الحق ، وإلّا فهو خالق أعظم المجرّات والمنظومات الشمسية وغيرها.