(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (٤٥)
إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر : بعد الفراغ من بيان أقسام مختلفة من قصص الامم السابقة وأنبيائهم العظام ، يتوجه الخطاب ـ على سبيل تسلية الخاطر ، وإراءة الخط الكلي أو الخطوط العامة ـ للنبي صلىاللهعليهوآله ويأمره بما ينبغي عليه أن يفعل. فيبدأ أوّلاً بقوله : (اتْلُ مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتبِ) ... أي إقرأ هذه الآيات فسوف تجد فيها ما تبتغيه وتطلبه من العلم والحكمة والنصح ، ومعيار معرفة الحق من الباطل.
وبعد بيان هذا الأمر الذي يحمل طابعاً تعليمياً ، يأتي الأمر الثاني الذي هو محور أصيل للتربية فيقول تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلَوةَ).
ثم يبيّن فلسفة الصلاة الكبرى فيقول : (إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) (١).
طبيعة الصلاة ـ حيث إنّها تذكر بأقوى رادع للنفس ، وهو الإعتقاد بالمبدأ والمعاد ـ فإنّها تردع عن الفحشاء والمنكر.
إنّ النهي عن الفحشاء والمنكر له سلسلة درجات ومراتب كثيرة ، وكل صلاة مع رعاية الشروط لها نسبة من هذه الدرجات.
في تفسير مجمع البيان عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «من أحبّ أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل ، فلينظر هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر ، فبقدر ما منعته قبلت منه».
ويقول القرآن تعقيباً على ما ذكره ومن شأن الصلاة : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ).
وظاهر الجملة هو بيان غاية وحكمة اخرى في الصلاة ، أي أنّ أثراً آخر من آثار الصلاة وبركاتها أهم من كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر هو تذكير الإنسان بربّه ، هذا الذكر هو أساس السعادة والخير ، بل العامل الأصلي للنهي عن الفحشاء والمنكر أيضاً هو ذكر الله ، وكونه أكبر لأنّه العلة والأساس للصلاة.
وحيث إنّ نيّات الناس ، وميزان حضور القلب منهم في الصلاة وسائر العبادات ، كل ذلك متفاوت جدّاً ، فإنّ الآية تختتم بالقول : (وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ). أي يعلم ما تصنعون
__________________
(١) إنّ الفحشاء هي إشارة للذنوب الكبيرة الخفية ، وأمّا المنكر فهو الذنوب الكبيرة الظاهرة ، أو أنّ الفحشاء هي الذنوب التي تنتج بغلبة القوى الشهوانية ، والمنكر من أثر القوى الغضبية.