وواحد من أعذارهم أنّهم يلقون تبعات ذنوبهم على أشياخهم في الكفر والنفاق.
وأحياناً يلقون اللوم على الشيطان في تضليلهم وانحرافهم وأنّه وسوس لهم.
وفي الآية التالية إشارة لجميع المواضيع الوارد بيانها في هذه السورة ... إذ تقول : (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هذَا الْقُرْءَانِ مِن كُلّ مَثَلٍ). لقد ذكرنا فيه الوعد والوعيد ، الأمر والنهي ، البشارة والإنذار ، الآيات الآفاقية والأنفسية ، دلائل المبدأ والمعاد والأخبار الغيبية والخلاصة ذكرنا فيه كل شىء يمكن أن يؤثر في نفوس الناس.
وفي الحقيقة ، إنّ في القرآن ـ بشكل عام ـ وسورة الروم ـ بشكل خاص ـ حيث نحن الآن في مراحلها النهائية ، مجموعة من المسائل والدروس الموقظة لكل فئة ، ولكل طبقة ، ولكل جماعة ، ولكل فكر وأسلوب.
ومع هذه الحال ، فهناك طائفة لا يؤثر في قلوبهم المظلمة السوداء أي من هذه الامور ، لذلك يقول القرآن في شأنهم : (وَلَئِن جِئْتَهُم بَايَةٍ لَّيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ).
والتعبير ب «مبطلون» تعبير جامع يحمل كل معاني الدجل والإفتراء والنسب الكاذبة والفاسدة من قبل المشركين.
والآية التي بعدها تبيّن السبب في مخالفة هذه الطائفة ، فتقول : إنّ لجاجة هؤلاء التي لا حدّ لها وعداءهم للحق ، إنّما هو لفقدانهم الإحساس والإدراك بسبب كثرة ذنوبهم ، ولأنّهم لا يعلمون شيئاً ... إذ تقول : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ).
«يطبع» : مأخوذة من الطبع ، ومعناها ختم الشيء ، وهي إشارة إلى ما كان يجري في السابق ، وهو جار أيضاً اليوم إذ يختم على الشيء كيلا يتصرف به ويُغلق بإحكام ، وقد يضعون عليه القفل ويضربون عليه مادة لزجة مختومة بإشارة معينة كما بيّنا بحيث لا يمكن فتح ذلك الشيء إلّابكسره ، فيفتضح أمره بسرعة.
وكان القرآن استعمل هذا التعبير كناية عن القلوب التي لا ينفذ إليها النصح ، والذين فقدوا الوجدان والعقل والعلم ، ولا أمل في هدايتهم.
ومما يسترعي الإنتباه أنّ في الآيات السابقة ذكر العلم أساساً للإيمان ، وفي هذه الآية ذُكر الجهل أساساً للكفر وعدم التسليم للحق.
أمّا آخر آية من السورة الروم ، فهي تأمر النبي صلىاللهعليهوآله أمرين مهمين ، وتبشره بشارة كبرى ، لتحثه على مواصلة الوقوف والتصدي للمشركين والجاهلين والسفهاء بالاستقامة والصبر.