(وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) (٥٢)
حتمية البعث ويوم الحساب : الآيات السابقة تحدّثت عن التوحيد وحاربت الشرك ، أمّا الآيات التي نبحثها الآن فتتحدّث عن المعاد والذي يعتبر مكمّلاً للتوحيد. الآيات التي نحن بصددها أجابت على ثلاثة أسئلة ـ أو شكوك ـ يثيرها منكرو المعاد ، ففي البداية تحكي الآيات على لسان المنكرين استفهامهم : (وَقَالُوا أَءِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) (١).
إنّ التعبير القرآني في هذه الآية الكريمة يدلل على أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله كان يبيّن في دعوته «المعاد الجسماني» بعد موت الإنسان ، إذ لو كان الكلام عن معاد الروح فقط ، لم يكن ثمّة سبب لإيراد مثل هذه الإشكالات من قبل المعارضين والمنكرين.
القرآن في إجابته على هؤلاء يبيّن أنّ قضية بعث عظام الإنسان سهلة وممكنة ، بل وأكثر من ذلك ، فحتى لو كنتم حجارة أو حديداً : (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا). وحتى لو كنتم أشدّ من الحجر والحديد وأبعد منهما من الحياة : (أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ). فإنّ البعث سيكون مصيركم.
السؤال التشكيكي الآخر الذي يثيره منكرو المعاد هو : إذا سلّمنا بأنّ هذه العظام المندثرة المتلاشية يمكن أن تعود إلى الحياة ، فمن يستطيع أن يقوم بهذا الأمر ، ومن الذي له قدرة القيام بهذه العملية المعقّدة للغاية؟
هذا السؤال تصوغه الآية بالقول على لسان المنكرين : (فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا).
القرآن يجيب على هذا السؤال حيث يقول : (قُلِ الَّذِى فَطَرَكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ).
بعد الانتهاء من الشك الأوّل والثاني الذي يطلقه المنكرون للمعاد ، تنتقل الآيات إلى الشك الثالث الذي تصوغه على لسانهم بهذا السؤال : (فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ). «سينغضون» : مشتقة من مادة «إنغاض» بمعنى مدّ الرأس نحو الطرف المقابل بسبب التعجب.
__________________
(١) «رُفات» : على وزن «كُرات» وهو معنى يطلق على كل شيء قديم ومتلاش.