يريدونه : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا).
إنّ كلمة الوسيلة يشمل كل عمل جميل ولائق ، وتدخل في مفهومها كل صفة بارزة اخرى ، لأنّ كل هذه الامور تكون سبباً في التقرب من الله.
(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (٥٨) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفاً (٥٩) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً) (٦٠)
بعد أن تحدثت الآيات السابقة مع المشركين في قضايا التوحيد والمعاد ، تبدأ أوّل آية من هذه الآيات بكلام على شكل نصيحة لتوعيتهم ، حيث تجسم هذه الآية النهاية الفانية لهذه الدنيا أمام عقولهم حتى يعرفوا أنّ هذه الدنيا دار زوال وأنّ البقاء الأبدي في مكان آخر ، لذلك ما عليهم إلّاتهيئة أنفسهم لمواجهة نتائج أعمالهم ، حيث تقول الآية : (وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيمَةِ أَوْ مُعَذّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا). فالطغاة والظالمون نبيدهم بواسطة العذاب ، أمّا الآخرون فيهلكون بالموت أو الحوادث الطبيعية.
وأخيراً ، فإنّ هذه الدنيا زائلة والكل يسلك طريق الفناء : (كَانَ ذلِكَ فِى الْكِتَابِ مَسْطُورًا). و «الكتاب» هنا هو نفس اللوح المحفوظ وهو العلم اللامتناهي للخالق جلّ وعلا ، ومجموعة القوانين الإلهية التي لا يمكن التخلف عنها في عالم الوجود هذا.
وهنا قد يقول المشركون : نحن لا مانع لدينا من الإيمان ولكن بشرط أن يقوم الرسول صلىاللهعليهوآله بجميع المعجزات التي نقترحها عليه ، أي أن يستسلم لحججنا ، القرآن يجيب أمثال هؤلاء بقوله تعالى : (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْأَيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ).
الآية تشير إلى أنّ الله تبارك وتعالى أرسل معجزات كثيرة وكافية للدلالة على صدق الرسول صلىاللهعليهوآله ، أمّا ما تقترحونه من معجزات فهي غير مقبولة ، لأنّكم بعد وقوعها ومشاهدتها سوف لا تؤمنون ، بدليل أنّ الأمم السابقة والتي كانت أوضاعها وحالاتها