هذا خلق الله : مواصلة للبحث حول القرآن والإيمان به في الآيات السابقة ، تتحدث الآيتان أعلاه عن أدلة التوحيد الذي هو أهمّ الاصول العقائدية. تشير الآية الاولى إلى خمسة أقسام من مخلوقات الله التي ترتبط مع بعضها إرتباطاً وثيقاً لا ينفصل ، وهي : خلق السماء ، وكون الكواكب معلقة في الفضاء ، وخلق الجبال لتثبيت الأرض ، ثم خلق الدواب ، وبعد ذلك الماء والنباتات التي هي وسيلة تغذيتها ، فتقول : (خَلَقَ السَّموَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا).
«العَمَد» : جمع «عمود» وتقييد بنائها وإقامتها ب (تَرَوْنَهَا) دليل على أنّه ليس لهذه السماء أعمدة مرئيّة ، ومعنى ذلك أنّ لها أعمدة إلّاأنّها غير قابلة للرؤية ، فإنّ هذا التعبير إشارة لطيفة إلى قانون الجاذبية الذي يبدو كالعمود القوي جدّاً ، إلّاأنّه غير مرئي ، يحفظ الأجرام السماوية.
إنّ الجملة أعلاه أحد معاجز القرآن المجيد العلميّة ، وقد أوردنا تفصيلاً أكثر عنها في ذيل الآية (٢) من سورة الرعد.
ثم تقول الآية في الغاية من خلق الجبال : (وَأَلْقَى فِى الْأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ).
وبعد ذكر نعمة استقرار السماء بأعمدة الجاذبية ، واستقرار وثبات الأرض بواسطة الجبال ، تصل النوبة إلى خلق الكائنات الحية واستقرارها ، بحيث تستطيع أن تضع أقدامها في محيط هاديء مطمئن ، فتقول : (وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ).
إنّ التعبير ب (مِن كُلّ دَابَّةٍ) إشارة إلى تنوع الحياة في صور مختلفة.
إلّا أنّ من المعلوم أنّ هذه الحيوانات تحتاج إلى الماء والغذاء ، ولذلك فإنّ الجملة التالية أشارت إلى هذا الموضوع ، فقالت : (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ).
فالكرة الأرضية تعتبر سماطاً واسعاً ذا أغذية متنوعة يمتدّ في جميع أنحائها ، ويصلح لكل نوع منها حسب خلقته ، مما يدل على عظمة الخالق جل وعلا.
ثم تشير هذه الآية مرّة اخرى إلى مسألة (الزوجية في عالم النباتات) وهي أيضاً من معجزات القرآن العلمية ، لأنّ الزوجية ـ أي وجود الذكر والانثى ـ في عالم النباتات لم تكن ثابتة في ذلك الزمان بصورة واسعة ، والقرآن كشف الستار عنها.
بعد ذكر عظمة الله في عالم الخلقة ، وذكر صور مختلفة من المخلوقات ، وجّهت الآية الخطاب إلى المشركين ، وجعلتهم موضع سؤال واستجواب ، فقالت : (هذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِى