حفظ السماء من تسلّل الشياطين : الآيات السابقة تحدثت عن طوائف الملائكة المكلفة بتنفيذ المهام الجسام ، والآيات مورد البحث تتحدث عن الطائفة المقابلة لها ، أي الشياطين وعن مصيرهم. ويمكن أن تكون هذه الآيات مقدمة لدحض معتقدات مجموعة من المشركين الذين يعبدون الشياطين والجن ، وتتضمّن كذلك درساً في التوحيد بين طيّاتها.
تبدأ الآية بالقول : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ).
حقّاً إنّ منظر النجوم في السماء رائع الجمال ، ولا تملّ أيّ عين من طول النظر إليه ، بل إنّ النظر إليه يزيل التعب والهمّ من داخل الإنسان ، (ممّا يذكر أنّ أبناء المدن في العصر الحاضر التي يغطّيها دخّان المصانع ، لا يستمتعون بمشاهدة السماء وهي مرصّعة بالكواكب كما يشاهدها الإنسان القروي حيث يدركون هذه المقولة القرآنية ـ أي تزيين السماء بالكواكب ـ بصورة أفضل).
أمّا الآية : (وَحِفْظًا مّن كُلّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ) فإنّها تشير إلى حفظ السماء من تسلّل الشياطين إليها.
«مارد» : مشتقة من «مرد» التي تعني الأرض المرتفعة الخالية من الزرع ، وهنا المقصود هو الشخص الخبيث العاري من الخير.
ثم يضيف القرآن الكريم : إنّ الشياطين لا تتمكّن من سماع حديث ملائكة الملأ الأعلى ومعرفة أسرار الغيب التي عندهم ، فكلّما حاولوا عمل شيء ما لسماع الحديث ، رشقوا بالشهب من كل جانب : (لَّايَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلّ جَانِبٍ).
نعم ، إنّهم يطردون من السماء بشدّة ، وقد أعدّ لهم عذاب دائم ، كما جاء في قوله تعالى : (دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ).
(لَّا يَسَّمَّعُونَ) بمعنى (لا يستمعون) ويفهم منها أنّ الشياطين يحاولون معرفة أخبار «الملأ الأعلى» إلّاأنّه لا يسمح لهم بذلك.
(الْمَلَإِ الْأَعْلَى) ، تعني ملائكة السماوات العلى ، لأنّ كلمة «ملأ» تطلق في الأصل على الجماعة التي لها وجهة نظر واحدة.
وعندما يوصف الملأ ب (الأعلى) فذلك إشارة إلى الملائكة الكرام ذوي المقام الأرفع والأسمى.
«يقذفون» : مشتقة من «قذف» وتعني رمي الشيء إلى مكان بعيد ، والمقصود هنا طرد الشياطين بواسطة الشهب.