كل شيء وقاصرة عن تحصيل العون ، ويقال لهم : أنتم الذين كان أحدكم يلجأ إلى الآخر في المشكلات ويطلب العون منه ، لِمَ لا ينصر بعضكم بعضاً الآن (مَا لَكُمْ لَاتَنَاصَرُونَ).
فكل الدعائم التي تصوّرتم إنّها دعامات مطمئنة في الدنيا ازيلت عنكم ، ولا يمكن أن يساعد بعضكم البعض ، كما أنّ آلهتكم ليسوا بقادرين على تقديم العون لكم ، لأنّهم عاجزون ومنشغلون بأنفسهم.
الآية التي تليها تضيف : إنّهم في ذلك اليوم مستسلمون لأوامر الله وخاضعون له ، ولا يمكنهم إظهار المخالفة أو الإعتراض ، (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ).
وهنا يبدأ كل واحد منهم بلوم الآخر ، ويسعى إلى إلقاء أوزاره على عاتق الآخر ، والتابعون يعتبرون رؤساءهم وأئمّتهم هم المقصّرون ، فيقابلونهم وجهاً لوجه ، ويبدأ كل منهم بسؤال الآخر ، كما تقول الآية : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ).
وهنا يقول التابعون لمتبوعيهم : إنّكم شياطين ، إذ كنتم تأتوننا بعنوان النصيحة والهداية والتوجيه وإرادة الخير والسعادة لنا ، ولكن لم يكن من وراء مجيئكم سوى المكر والضياع (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ).
إذ أنّنا ـ بحكم فطرتنا ـ كنّا نسعى وراء الخير والطهارة والسعادة ، ولذا لبّينا دعوتكم. نعم فكل الذنوب التي إرتكبناها أنتم مسؤولون عنها ، لأنّنا لم نكن نملك شيئاً سوى حسن النية وطهارة القلب ، وأنتم الشياطين الكذّابون لم يكن لديكم سوى الخداع والمكر.
«يمين» : تعني (اليد اليمنى) أو (الجهة اليمنى) والعرب تعتبرها في بعض الأحيان كناية عن الخير والبركة والنصيحة.
وفي المقابل فإنّ المتبوعين والقادة يجيبون تابعيهم بالقول : (قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
ودليلنا واضح ، إذ لم تكن لنا أي سلطة عليكم ، ولم نضغط عليكم ونجبركم لعمل أي شيء : (وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مّن سُلْطَانٍ).
إنّما أنتم قوم طغاة ومعتدون ، وأخلاقكم وطبيعتكم الظالمة صارت سبب تعاستكم (بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ).
وكم هو مؤلم أن يرى الإنسان قائده وإمامه الذي كان قد إرتبط به قلبيّاً طوال عمره ، قد تسبّب في تعاسته وشقائه ثم يتبرّأ منه.