الذي ينبت في جهنم ذو الرائحة الكريهة والطعم المرّ واللبن الذي يورم ويحرق الأبدان فور ما يصيبها ، وتناوله ـ وبكميّات كبيرة ـ يعدّ عذاباً أليماً.
ومن البديهي ، فإنّ من يتناول هذا الطعام السيء الطعم والمرّ ، يصيبه العطش ، ولكن حينما يشعر بالعطش ماذا يشرب؟ القرآن يجيب على هذا السؤال بالقول : (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مّنْ حَمِيمٍ).
«الشوب» : هو الشيء المخلوط أو الممزوج مع شيء آخر ؛ و «حميم» : هو الماء الحار البالغ في حرارته ، وهذا هو غذاء أهل جهنم ، وهذا هو شرابهم.
وبعد هذه الضيافة إلى أين يذهبون ، فيجيب القرآن على هذا السؤال أيضاً بالقول : (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ).
الآية الأخيرة في بحثنا تناولت السبب الرئيسي الذي أدّى إلى دخول اولئك إلى جهنم ونيلهم العذاب الأليم والشديد هناك ، تناولته في آيتين مليئتين بالمعاني والحقائق : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْاءَابَاءَهُمْ ضَالّينَ).
وإنّهم كانوا يسرعون على آثارهم ومن دون أي إرادة ، (فَهُمْ عَلَى ءَاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ).
«يهرعون» : من مادة «هرع» أي أسرع ، وهي إشارة إلى أنّهم كانوا يقلّدون آباءهم قلباً وديناً وإنّهم كانوا يحثّون الخطى على آثارهم إلى درجة كأنّهم يسارعون في ذلك من دون أي إرادة وإختيار ، وإشارة اخرى إلى تعصّبهم وتمسّكهم بالخرافات التي كان أجدادهم الضالّون يعتقدون بها.
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٧٤)
الامم الضالة السابقة : بما أنّ المسائل السابقة المتعلقة بالمجرمين والضالين لا تختّص بزمان ومكان معينين ، فالقرآن يتوسّع في الآيات التي تبحث بشكل مفصّل عن هذه المسائل ، ويهيء الأرضية في عدة آيات قصيرة ومختصرة لشرح امور كثيرة عن الامم السابقة ، والتي بالإطلاع عليها تكون أدلّة ناطقة للبحوث السابقة.
ومن تلك الامم أقوام نوح وإبراهيم وموسى وهارون ولوط ويونس وغيرهم ، إذ يقول : (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ).