ثم يضيف القرآن المجيد أنّ ضلالتهم لم تكن بسبب إفتقادهم القائد وعدم موعظتهم : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ).
إذ أنّنا أرسلنا إليهم أنبياء لإنذارهم من خطر الشرك بالله والكفر به ، والظلم والإعتداء ، وتقليد الآخرين بصورة عمياء ، ولإطّلاعهم على مسؤولياتهم.
ثم يقول في عبارة ذات معان عميقة : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ).
إنّ هذه الآية المباركة تشير إلى نهاية أقوام سنستعرض أحوالها وأوضاعها بصورة مفصّلة في الآيات القادمة.
أمّا آخر آية في بحثنا فإنّها تستثني جماعة من العذاب الإلهي : (إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ).
إنّ هذه الآية تشير إلى عاقبة هذه الامم ، وتدعو إلى التمعّن في العذاب الأليم الذي ابتلوا به ، والذي أهلكهم وأبادهم جميعاً ماعدا عباد الله المؤمنين والمخلصين الذين نجوا من هذا العذاب.
(وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٨٢)
مقتطفات من قصة نوح : من هنا يبدأ سرد قصص تسعة أنبياء من أنبياء الله الكبار ، والذين كانت الآيات السابقة قد تطرّقت إليهم بصورة خفيّة ، وتشرع الآيات بنوح شيخ الأنبياء وأوّل اولي العزم من الرسل. بدأ البحث بالإشارة إلى دعاء نوح الشديد على قومه بعد أن يئس من هدايتهم : (وَلَقَدْ نَادَينَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ).
هذا الدعاء يمكن أن يكون إشارة إلى الدعاء الذي ورد في سورة نوح : (وَقَالَ نُوحٌ رَّبّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) (١).
فإنّ الله سبحانه وتعالى يجيبه في الآية التي تليها بالقول : (وَنَجَّيْنهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ).
__________________
(١) سورة نوح / ٢٦ و ٢٧.