يمكن أن يكون ذلك الغمّ نتيجة إستهزاء قومه الكافرين المغرورين به ، وتجريحهم إيّاه بكلمات نابية وساخرة تستهدف إهانته وأتباعه المؤمنين ، أو نتيجة تكذيب قومه اللجوجين إيّاه.
ويضيف القرآن الكريم : (وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ).
وإضافةً إلى ذلك يقول القرآن : أنّنا جعلنا لنوح ثناءً وذكراً جميلاً في الأجيال والامم اللاحقة : (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الْأَخِرِينَ).
فقد وصفه القرآن المجيد بالنبي المقاوم والشجاع والصبور والرحيم والعطوف ، وأطلق عليه لقب شيخ الأنبياء.
فبعد تحمّله كافّة الصعاب والآلام ، منحه الله سبحانه وتعالى وساماً خالداً يفتخر به في العالمين (سَلمٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَالَمِينَ).
ولكي تكون خصوصيات نوح عليهالسلام مصدر إشعاع للآخرين ، أضاف القرآن الكريم : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ). و (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ).
إنّ درجة عبودية نوح لله وإيمانه به ـ إضافةً إلى إحسانه وعمله الصالح الذي ذكرته الآيتان الأخيرتان ـ كانت السبب الرئيسي وراء اللطف الإلهي الذي شمل نوحاً وأنقذه من الغمّ الكبير ، وبعث إليه بالسلام ، السلام الذي يمكن أن يشمل كل من عمل بما عمل به نوح ، لأنّ معايير الألطاف الإلهية لا تتخلّف ، ولا تختّص بشخص دون آخر.
أمّا الآية الأخيرة في بحثنا فقد وضّحت بعبارة شديدة اللهجة مصير تلك الامّة الظالمة الشريرة الحاقدة : (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْأَخَرِينَ).
إذ إنهمر المطر سيلاً من السماء ، وتفجّرت الأرض عيوناً ، وغطّت المياه اليابسة كبحر هائج دكّ بأمواجه المتلاطمة الشامخة عروش الطغاة ودمّرها ، لافظاً إيّاهم بعدئذ أجساداً هامدة لا حياة فيها ولا روح.
(وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (٨٣) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا ذَا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) (٩٤)