وأحياناً كانوا يجتازون مرحلة التعجّب إلى مرحلة إتّهام رسول الله بالسحر والكذب (وَقَالَ الْكَافِرُونَ هذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ).
إنّ إتّهامهم الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بالسحر ، إنّما نتج من جرّاء رؤيتهم لمعجزاته التي لا تقبل الإنكار وتنفذ بصورة مدهشة إلى أفكار المجتمع ، وإتّهامه بالكذب بسبب تحدّثه بامور تخالف سنّتهم الخرافية وأفكارهم الجاهلية التي كانت جزءاً من الامور المسلّم بها في ذلك المجتمع ، وإدّعاء الرسالة من الله.
وعندما أظهر رسول الله صلىاللهعليهوآله دعوته لتوحيد الله ، أخذ أحدهم ينظر للآخر ويقول له : تعال واسمع العجب العجاب (أَجَعَلَ الْأَلِهَةَ إِلهًا وَاحِدًا إِنَّ هذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ).
نعم ، فالغرور والتكبّر إضافة إلى فساد المجتمع ، تساهم جميعاً في تغيّر بصيرة الإنسان ، وجعله متعجباً من بعض الامور الواقعية والواضحة ، في حين يصرّ بشدة على التمسك ببعض الخرافات والأوهام الواهية.
وبعد أن يئس طغاة قريش من توسط أبي طالب في الأمر وفقدوا الأمل ، خرجوا من بيته ، ثم إنطلقوا وقال بعضهم لبعض ، أو قالوا لأتباعهم : اذهبوا وتمسّكوا أكثر بآلهتكم ، واصبروا على دينكم ، وتحمّلوا المشاق لأجله ، لأنّ هدف محمّد هو جرّ مجتمعنا إلى الفساد والضياع وزوال النعمة الإلهية عنّا بسبب تركنا الأصنام ، وإنّه يريد أن يترأس علينا ؛ (وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى ءَالِهَتِكُمْ إِنَّ هذَا لَشَىْءٌ يُرَادُ).
«إنطلق» : مشتقة من «إنطلاق» وتعني الذهاب بسرعة والتحرّر من عمل سابق ، وهنا تشير إلى تركهم مجلس أبي طالب وعلامات الضجر والغضب بادية عليهم.
و (الملأ) إشارة إلى أشراف قريش المعروفين الذين ذهبوا إلى أبي طالب.
وجملة (لَشَىْءٌ يُرَادُ) إشارة إلى دعوة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، إذ اعتبرت قريش هذه الدعوة مؤامرة ضدّها ، وقالت : إنّ ظاهرها يدعو إلى الله ، وباطنها يهدف إلى السيادة والرئاسة علينا وعلى العرب ، ودعت الناس إلى التمسك أكثر بعبادة الأصنام ، وترك تحليل أمر هذه المؤامرة إلى زعماء القوم.
فإنّ زعماء المشركين أرادوا بهذا القول تقوية المعنويات المنهارة لأتباعهم ، والحيلولة دون تزعزع معتقداتهم ، ولكن كل مساعيهم ذهبت أدراج الرياح.
ولخداع عوام الناس وإقناع أنفسهم ، قال زعماء المشركين : (مَا سَمِعْنَا بِهذَا فِى الْمِلَّةِ الْأَخِرَةِ إِنْ هذَا إِلَّا اخْتِلقٌ).